close
Login Form
Lawyer/Affiliate Sign Up
head

Article Content:

قضية التحقيق مع ماجد الماجد، و كافة التحقيقات الأولية في الجرائم المماثلة

قضية التحقيق مع ماجد الماجد، و كافة التحقيقات الأولية في الجرائم المماثلة
مسألة السيادة اللبنانية في مواجهة عالمية الجريمة بالنسبة لمرحلة التحقيقات الأولية
_____________________________________________________
                                                             المحامي نديم يوسف البستاني

على أثر توقيف ماجد الماجد من قبل الجيش اللبناني و إيداعه في الإحتجاز على ذمة التحقيق الأولي، برزت عدة طلبات للتدخل في قضيته القضائية من قبل طرفين دوليين هما السعودية و إيران.
و قد دارت الأحاديث حول مطلب السعودية باسترداده و مطلب ايران بالمشاركة في التحقيق معه. حيث طرحت تساؤلات ضخمة حول مدى قانونية كل من هذين الطلبين في ظل كون الموقوف من التابعية السعودية و هو أمير كتائب عبدالله عزام الفصيل الملاحق بالجريمة الإرهابية التي استهدفت السفارة الإيرانية في لبنان مؤخرا.
بالنسبة للطلب السعودي المزعوم باسترداده فهو من حيث القانون الدولي العام، يقع ضمن خانة المشروعية إذ يستند على الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لسنة 1998 المنضم اليها البلدان حيث تنص في المادة السابعة منها على جواز تسليمه مؤقتا و إن كان قيد التحقيق.(1)
و بالتالي أنه يجوز لأي دولة عضو أن تطالب باسترداد أي من المرتكبين لجرائم الإرهاب بما يتعلق يإعمال إختصاصها القضائي.
و لكن من حيث التطبيقات الداخلية للقانون الدولي العام، يجب توخي الدقة في إعمال أي أحكام تقضي "بالإجازة" بتقرير أمر معين. إذ أن هذه الإجازة التي نصت عليها الإتفاقية الإقليمية لا تعني الإلزام بل تترك المجال مفتوحا لقياسها على ضوء الأحكام الداخلية لمعرفة ما إذا كانت تفتح المجال أمام الإستنسابية المطلقة للسلطة داخل البلد بالنسبة لهذا الأمر أم أنها تقيدها بأحكام إلزامية واجبة التطبيق.
وبالتالي يصطدم هذا الطلب برادع قانوني أساسي يجعل قبوله مرفوضا من قبل مجلس الوزراء اللبناني صاحب الصلاحية للبت بهذه الطلبات بموجب مرسوم بناء على اقتراح وزير العدل الذي يستند الى تقرير النائب العام التمييزي في هذا الصدد حسب المادة 35 من قانون العقوبات.
و هذا الرادع تنص عليه المادة 34 من قانون العقوبات اللبناني التي تنص على رفض طلب الاسترداد اذا كانت شريعة الدولة الطالبة للاسترداد تخالف نظام المجتمع اللبناني، و هذا ما يتوفر جليا في العقوبات الجسدية المطبقة في السعودية كالجلد و البتر و قطع الرؤوس.
و كما يتوجب لزاما بحسب المادة 32 من قانون العقوبات أن تكون الجرائم المطلوب الإسترداد عنها غير متعلقة بتاتا بجرائم تفجير السفارة الإيرانية في لبنان أو تأليف جماعات إرهابية على أرض لبنان أو ضد المصالح اللبنانية حيث يلاحق الماجد بموضوعها من قبل القضاء اللبناني.
أما بالنسبة لشكليات طلب التسليم من قبل السعودية، فيمكن تبادله بين السلطات القضائية  في البلدين مباشرة دون المرور بوزارة العدل و لا الخارجية، حسب ما تنص المادة الثانية و العشرون من الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب.(2)
و لناحية حصول الوفاة و تسليم الجثة الى ذويه، فإن المادتين 47 و 48 من مرسوم تنظيم السجون الصادر عن مجلس الوزراء تحت الرقم 14310/1949 و تعديلاته تنصان على الزام النائب العام المختص و في حالتنا النيابة العامة التمييزية أو مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، بإتمام الإثبات العدلي للوفاة و منها كشوفات الطب الشرعي و كافة التحقيقات الأخرى اللازمة. كما تنص هاتان المادتان على الزام النائب العام بتسليم الجثة الى ذوي المتوفي عند إمكانية هذا التدبير، بحيث يضحى من غير القانوني الإبقاء على الجثة و دفنها في لبنان في الوضع الراهن.(3)

فيما يخص الطلب الإيراني المزعوم بالمشاركة بالتحقيق و حيث صرح وزير الخارجية بتلقيه مثل هذا الطلب و قد أبدى موافقته الأولية عليه و أحاله على المراجع المختصة.
فيتوجب أن نبتدئ في مقاربة صلاحيات وزير الخارجية في هذا المجال، إذ أن ما صرح به الوزير عما ما قامت به وزارته عبر أجهزتها المختصة، يقع ضمن خانة القانون فتنحصر واجبات وزارة الخارجية بالتحقق من مدى توفر الشروط الشكلية و الظاهرية للمستند الذي يتلقاه عبر القنوات الخارجية و مدى صلاحية المرجع الذي أرسل الطلب من مخاطبة الدولة اللبنانية بالنيابة عن الدولة المرسلة أو عن المنظمات أو الأشخاص أصحاب الحقوق، فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية و أصولها. و بعد انطباق الشروط على واقع الحال عليه أن يحيل الملف على المرجع المختص في وزارة العدل و وزارة الداخلية ليبنى على الشيء مقتضاه إن بالنفي أو بالقبول للطلب وفقا لمعطيات كل قضية على حدى، دون التقيد برأي وزير الخارجية.
و حتى إن كان قد تطرأ للنتيجة النهائية التي يؤول إليها الموضوع.
 مع الإشارة أن هذا الرأي ليس ممنوعا على الوزير لتعلق هكذا مسائل بالدور السياسي الذي يشكل أسمى مهامه؛ و لكن برأيي أرى بالرغم من عدم منع هكذا تصريحات إنما هي تقع غير مستحبة، إذ يجب التحفظ إزاء الأمور المعروضة على القضاء و إن كانت ذات طابع سياسي ، و ذلك حرصا على عدم التأثير في حياد القاضي.
و بعد مقاربة دور وزير الخارجية في هذا الصدد ، ننتقل لبحث المسألة في الشكل.
بالتالي علينا أن ننطلق من كشف الأحكام القانونية إزاء هكذا طلب، بحيث يفرض لزاما أن تخضع هكذا إختصاصات إستثنائية لابرام معاهدات متعلقة بموضوعها أكانت من نوع الإتفاقيات الدولية أو من نوع الإتفاقيات الثنائية تجمع البلدين المهتمين بالقضية، بحيث يتوجب أن تنص على إجازة "الإشتراك" في التحقيقات و ليس فقط "التعاون".
إذ أن إتفاقية نيويورك الدولية للعام 1973 (المنضم اليها البلدان) المتعلقة بمنع ومعاقبة الجرائم ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية، بما في ذلك المبعوثون الدبلوماسيون، تنص في المادة العاشرة منها على ضرورة "التعاون" القضائي فيما بين البلدان الأعضاء المعنية بالجرائم التي تشملها و لكنها تترك المجال واسعا لأي اتفاقيات أخرى تبيح "الإشتراك" في التحقيق.(4)
بما يعني أن القيادة المباشرة للتحقيق و الإجراءات التحكمية و الأعمال السلطوية لا تمارسها الا الأجهزة المحلية المختصة و لكن "التعاون" يكون واجبا في كل ما يحيط بالتحقيقات من معلومات مجمعة سابقا أو معلومات مستقاة أو إفادات تم الحصول عليها أو اقتراحات أو قواعد بيانات ذات صلة بالجريمة قد تهم احد البلدان الأعضاء في هذه الاتفقية و المتعلقة بالجريمة موضع الملاحقة. و أي مقاربة أوسع لمفهوم التعاون تخرجه من اطاره المباح في هذه الاتفاقية، ليصبح محكوما في ظل قواعد القوانين الداخلية التي لا تنص عن أي "تشارك" في ما خص الصلاحيات الامنية و القضائية.
و أما الإتفاقيات الثنائية بين البلدين في هذا المجال فهي غائبة.
فيتوجب عندها البحث في مدى جواز هذا التدبير في ظل غياب النص عليه!!!
فإن كافة أعمال الملاحقة الجزائية المتعلقة بالحق العام أو حق الشعب كمجموع مجتمعي ذات كيان مستقل معنوي هي من الصلاحيات السيادية التي لا يجوز المس بها إلا بإجازة من البرلمان أو بقرارات صادرة عن مجلس الأمن في الأمم المتحدة، إذ لا تجوز المصالحة و لا التحكيم في هذه المسائل (باستثناء بعض المواضيع الداخلة في صلاحيات النيابة العامة المالية، و ليست موضوعنا). و بالتالي يقع طلب "الإشتراك" في التحقيق خارجا عن الإطار القانوني الضروري و الحصري فيما خص علاقة لبنان مع إيران، ما معناه  أن صلاحيات التحقيق الأولي مناطة حصرا بالضابطة العدلية اللبنانية (أو بالقضاة اللبنانيين في بعض الحالات الضيقة). و لما كانت مهام الضابطة العدلية اللبنانية الأساسية هي إتمام التحقيقات تحت اشراف النيابة العامة المختصة، فلا يجوز لها مشاركة أحدا خارج الإدارة أو تفويضه أو التنازل له عن صلاحياتها إذ تكون بالتالي تفقد مبرر وجودها.
بالرغم من تسديد المنطق حول عدم إمكانية إعطاء الصلاحية لأي طرف بغية تخويله الإشتراك في التحقيق، من خارج ما ينص عليه القانون لزاما و حصرا. قد يثور التساؤل حول الضابطة العدلية صاحبة الصلاحية القانونية لإجراء التحقيق، ما إذا كان يحق لها تفويض أو الإتفاق مع أي طرف أخر بالنسبة لممارسة ما لها من صلاحيات؟؟؟
الجواب يكمن بالتعويل على المبدأ الراسخ أن أعمال السلطة لا يجوز أن تمارس الا بواسطة الدولة حصرا. لكن قد يجيز القانون الى البعض خارجا عن المؤسسات الرسمية العامة أو من غير الأشخاص العامين، السماح له بالولوج الى هذا المقدار من الأعمال التحكمية بشكل محدد و ضيق و خاصة من خلال العقود الإدارية. ففي الأحوال جميعها و بكافة التصورات يخرج هذا الوضع عن حالتنا الراهنة، اذ تندرج هذه الاستثناءات على بعض العقود الإدارية في ما خص المرافق العامة الإدارية التي لا يخالف النظام العام التعاقد عليها من قبل الإدارة. إذ هناك بعض القطاعات التي لا يمكن تصور التعاقد عليها ضمن معايير المجتمع الراهنة كالقضاء و الأمن و الدفاع الوطني، فهذه القطاعات "متلازمة في أذهان العامة و الخاصة من المجتمع مع سيادة الدولة و سلطانها المطلق على أرضها و مرافقها الأساسية".(5)
فيغدو بالتالي أي تعاقد على هذه القطاعات خارجا عن المشروعية، و هذا ما ينطبق تماما على مسألة المشاركة في التحقيقات مع الضابطة العدلية اللبنانية من قبل طرف إيراني مزعوم أو أي طرف كان.
و نعود للتذكير بأن الإجازة من قبل المشترع غائبة، و كما سبقت الإشارة أيضا فيما خص إنعدام الإتفاقيات الدولية أو الثنائية في هذا الصدد التي تجمع لبنان و إيران.
و لكن بالرغم من هذا المنع الصارم يمكن لإيران أن "تشهد" قسما من التحقيقات دون أن "تشارك" بها.
و بغض النظر عن رسوخ حقها في تلقي نتائج المحاضر و عن حقها في توجيه التحقيقات بواسطة الإستنابات القضائية التي قد ينفذها القضاء اللبناني بحسب تقديره لملاءمتها وحده حصرا و بمساعدة الضابطة العدلية اللبنانية وحدها حصرا.
فيمكن لإيران أن تتمثل في التحقيقات بواسطة من تنتدب لهذه المهمة على سبيل الاستماع لإفادة هؤلاء المنتدبين كونهم يمثلون الطرف المتضرر، على أن يجري هذا الإستماع للإفادات إما إفراديا أو إما مقابلة مع المشتبه به و لكن كل ذلك تحت قيادة المحقق اللبناني لإجراءات التحقيق بحسب رأييه المنفرد. و أيضا لإيران أن تطلب إسداء المشورة التقنية أو تقديم خبرات تقنية على سبيل الخبرة الفنية و لكن تحت قيادة و إشراف الضابطة العدلية اللبنانية التي تكون وحدها صاحبة القرار بحيث يمنع أن تتعدى هذه الخبرات المجالات الفنية لتصل الى المجال القانوني القضائي الذي يكون الاستقصاء و الضبط و التحقيق أحد وجوهه.
و هذا بالضبط ما كان مجال التنسيق و العمل على تحري الأدلة و فحصها و استجلائها
و تحليلها و مسح ساحة الجريمة الذي تم بالنسبة لعدة جرائم بين لبنان و الولايات المتحدة الأميركية. فهي لم تتعدى المجالات التقنية المحضة و كما هي بالإضافة تستند على اتفاقية الأمم المتحدة للعام 2000 لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية  و خاصة المواد 27 و 28 و 29 منها، و هي الإتفاقية المنضم اليها لبنان و أميركا في العام 2005 و لكن غير المنضمة اليها ايران.
اذ ما يرتب أن أي تعاطي مع طلبات التنسيق التقني في مسح الأدلة و ملاحقة الجرائم تجب مقاربته بتشدد أكبر تجاه ايران، إنطلاقا من تقييم حساب المصلحة العامة و الخبرات غير المتوفرة لدى الأجهزة اللبنانية.
في حين أن التعاطي مع أي دولة عضو في هذه الاتفاقية يتم لمجرد غاية تأمين التنسيق التقني.(6)
على أنه بغية إجازة هذا التنسيق التقني، في كلا الحالتين، يتطلب الأمر قرارا صادرا عن وزير الداخلية بناء على اقتراح المدير العام لقوى الأمن الداخلي وفقا لما تنص عليه المادة مئة و خمسة و ثمانون من قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي 17/1990.(7)

(1) المادة السابعة من الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب:
"إذا كان الشخص المطلوب تسليمه قيد التحقيق أو المحاكمة أو محكوماً عليه عن جريمة أخرى في الدولة المطلوب إليها التسليم ، فإن تسليمه يؤجل لحين التصرف في التحقيق أو انتهاء المحاكمة أو تنفيذ العقوبة ، ويجوز مع ذلك للدولة المطلوب إليها  التسليم تسليمه مؤقتاً للتحقيق معه أو محاكمته ، بشرط إعادته للدولة التي سلمته قبل تنفيذ العقوبة عليه في الدولة طالبة التسليم."

(2) المادة الثانية والعشرون من الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب:
"يكون تبادل طلبات التسليم بين الجهات المختصة في الدول المتعاقدة مباشرة ، أو عن طريق وزارات العدل بها أو ما يقوم مقامها ، أو بالطريق الدبلوماسي."

(3) المادة السابعة و الأربعون من مرسوم تنظيم السجون:

"اذا توفي أحد المسجونين يقدم الى وزير الداخلية بسلسلة المراتب تقرير قائد السجن ونسخة عن  
    تقرير الطبيب.

- واذا حصلت الوفاة في المستشفى فيرسل اليه حارسان من الجنود لأجل تحقق الوفاة وينظم بهذا الكشف محضر على نسختين ترسل أولاهما مع ملف السجين المتوفي الى القضاء بعد التأشير علىالكيفية في السجل ازاء اسمه وتحفظ الثانية في السجل الخاص بالمحاضر.

- كل وفاة تقع يعطي عنها علم هاتفي أو برقي الى النيابة العامة لأجل اجراء الاثبات العدلي وفوق ذلك تقدم الافادة عنها خلال 24 ساعة الى مأمور النفوس العائد اليه الامر لكي ينظم بالحادث صك وفاة وتقدم الإفادة كذلك الى مختار المحلة الموجود فيها محل سكن المتوفي لأجل إبلاغ الأمر الى عائلته وأخذ العلم بالوفاة."
 

* المادة السابعة و الأربعون من مرسوم تنظيم السجون:
"اذا تعذر تسليم الجثة الى ذويها ولم تتبرع المؤسسات الخيرية بدفنها بعد إعلامها، تقوم البلديات بالدفن وتتحمل نفقاته وفي المراكز التي لا يوجد فيها بلديات تتولى ذلك السلطات الادارية وتقدم بالنفقات وصولات تدفع لها من موازنة السجون."


(4) http://www.un.org/en/sc/ctc/docs/conventions/Conv4.pdf
(5) يوسف سعدالله الخوري، مجموعة القانون الإداري، المرافق العامة-ط 1999 – ج1 – ص 421 و 420

(6) http://www.unodc.org/documents/treaties/UNTOC/Publications/TOC%20Convention/TOCebook-e.pdf


(7) المادة مئة و خمسة و ثمانون من قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي 17/1990:
"لوزير الداخلية ان يقرر، عند الاقتضاء، وبناء على اقتراح المدير العام استخدام خبراء لبنانيين واجانب لدى قوى الامن الداخلي."