close
Login Form
Lawyer/Affiliate Sign Up
head

Article Content:

حجم الدوائر الانتخابية بين النظامين الأكثري والنسبي نادي متخرجي الجامعة الأميركية 24 أيار 2006

أولا ً: حجم الدوائر وتأثيره في النظام الانتخابي اللبناني الحالي

أثارت قوانين الانتخاب المتعاقبة في لبنان التي صدرت منذ اقرار وثيقة الوفاق الوطني جدلا ً واسعا ً حول دستوريتها، وحول مدى قدرتها على انتاج مجالس نيابية تتمتع بأكبر قدر ممكن من التمثيل الشعبي، وتساهم في تجديد الحياة السياسية وانتقال لبنان من حالة وقف الحرب العسكرية الى حالة السلم الأهلي الحقيقي وتعزيز الوحدة الوطنية.

الا أن نتيجة هذه القوانين كانت مزيدا من تصدع الوحدة الوطنية، وشعور أغلبية المواطنين بأنهم عرضة لنوع من الاستغباء، وأنهم ألعوبة في يد مخططين يرسمون نتائج الانتخابات التي يريدون، ويفصلون النظام الانتخابي على قياس تلك النتائج. وقد أدى ذلك الى مقاطعة شريحة كبيرة من المجتمع اللبناني للانتخابات في عدة دورات مما خلق حالة اضافية من الاحباط لدى المواطنين، وشعورا ً بعدم التوازن، لا سيما من قبل جيل الشباب الذي أخذ يبدي عدم مبالاة بالعملية الديمقراطية والحياة العامة بشكل عام.

وفي حين كان الناخب اللبناني ينتظر بترقب وقلق مواعيد الانتخابات للتعبير عن رأيه بشكل حر وديمقراطي، كانت السلطة في كل مرة تفبرك قانون انتخاب على قياس مشيئة اقليمية، فتستحدث مقعدا ً لطائفة معينة انطلاقا ً من أصوات معدودة للناخبين لخدمة أحد الحلفاء أو الموالين، وتعمد الى توسيع دائرة انتخابية معينة لتوسيع رقعة نفوذ أحد الزعماء الطائفيين الموالين، والى تضييق دائرة انتخابية أخرى لتضييق رقعة نفوذ زعيم أو تيار معارض. ولعل السمة الأساسية للأنظمة الانتخابية التي نصت عليها قوانين الانتخاب المتعاقبة تقوم على اجتماع عنصرين اثنين:

أ. اعتماد النظام الانتخابي الأكثري البسيط على أساس القوائم الانتخابية والدوائر الكبيرة أو المتوسطة بصورة ثابتة.

ب. تقسيم الدوائر على شكل مختلف في الدورات الانتخابية المتلاحقة، علما ً أن الاختلاف في التقسيم قد شهد وتيرة متسارعة بعد انتهاء الحرب.

والواقع أن اعتماد هذين العنصرين انما هدفا ً في الغالب الى اعطاء السلطة هامشا ً واسعا ً للتحكم في نتائج العملية الانتخابية. وهذا الأمر يزداد حدة بقدر ما تبتعد الدولة عن مفهوم المصلحة العامة لتصبح أداة في ايدي القيمين على النظام.

ان التدقيق في هذا النظام يبرز عيوبه وربما، في الوقت نفسه، أسباب تمسك السلطة اللبنانية به. ومن ابرز هذه العيوب:

أ. ممارسة الناخب لحقه الانتخابي على أساس الصوت الفاعل وذلك لمصلحة المرشح أو اللائحة الأوفر حظا ً، حتى ولو كان يفضل ضمنا ً مرشحا ً آخر. وهذا ما يؤدي الى تهميش الأوجه والآراء والقوى الجديدة في المجتمع، في حال لم تتمكن من الدخول الى اللوائح الرئيسية.

ب. تعزيز التطرف الفئوي والزبونية وصرف النفوذ، ويزداد هذا الأمر حدة مع انقسام الناخبين على أساس طائفي، ذلك أن من شأن النظام الأكثري كما هو معتمد حاليا ً أن يؤدي الى تجريد الأصوات العائدة للأقليات الطائفية - أيا ً كان حجمها - من اي وزن او تأثير في العملية الانتخابية. وهذا ما يشكل أيضا ً عاملا ً لفرض هيمنة البعض على البعض الآخر، مما ينقص حجم الثقة ويدفع المواطنين الى مزيد من الفرقة والتباعد.

والجدير ذكره أن النظام المذكور لاقى انتقادات متزايدة في الدول التي كانت تعتمده، وتراجعت عنه في معظم الأحيان، وذلك بهدف تحقيق تمثيل أفضل واحياء اهتمام المواطن بالأنتخابات بشكل يجدد الحياة السياسية، في حين بقي النظام الاكثري بالقوائم احدى السمات الأساسية للنظام الانتخابي اللبناني.

أما من ناحية تقسيم الدوائر الانتخابية. فهو يشكل أمرا ً أساسيا ً في العملية الانتخابية، طالما أنه يحدد "من ينتخب من ؟" وتاليا ً مجموعة الناس التي تعطي النائب صفته التمثيلية. وتغيير تقسيم الدوائر في العمليات الانتخابية المتلاحقة قد بات في الواقع سمة من سمات النظام اللبناني. وذلك يعود لعوامل عدة يرتبط غالبها بسيادة البراغماتية في التشريع بما يؤمن مصالح فئوية أو شخصية معينة، بعيدا ً عن أي محاولة لاجراء تقسيم موضوعي مبني على معاير ثابتة مستمدة من المصلحة العامة. وأبرز هذه العوامل هي الآتية:

أ. وجود مناطق نفوذ لبعض الزعماء في لبنان، بحيث يكون لهؤلاء الزعماء مصلحة أكيدة بتحديد حجم الدائرة، تضيقا ً أو توسيعا ً، ليكون متطابقا ً مع مقدار نفوذهم. وهذا الأمر يخلق دون ريب تجاذبا ً ما بين أصحاب النفوذ وسائر الفرقاء، ويؤثر حتما ً في النتيجة على التقسيمات.

ب. العامل الطائفي وتحولاته: وهذا العامل هو أيضا ً أساسي بحيث ان حجم الدائرة وماهيتها يحددان "لونها" الطائفي. وهنا ايضا ً تشهد الأنظمة الانتخابية تحولات دائمة. فغالبا ً ما تهدف الى تأمين دوائر بلون واحد أو بلون غالب، فيما هي نادرا ً ما تسعى الى تحقيق التخالط المتكافىء. وتتواكب هذه الخيارات اجمالا ً مع الخيارات المتصلة بمناطق النفوذ المبني على الطائفية. واذا كان الخيار الثالث - التخالط المتكافىء - هو الأفضل منطقيا ً والاكثر انسجاما ً مع الدستور، فان الأخذ به يزداد صعوبة - ليس فقط لغياب الارادة - بل أيضا ً على ضوء التغير الديمغرافي الذي أدى الى خلل متزايد في التوازن العددي ما بين المسلمين والمسيحيين.

ج. الاستنساب السياسي للسلطة الحاكمة على ضوء ما نحتاج اليه من تحالفات، أو من تشديد احكامها لسيطرتها، أو من تسامح مع الرأي المخالف تحسينا ً لصورتها. وتوجه السلطة على هذا النحو يصب اجمالا ً في سعيها الى توسيع الدوائر لكونها الأقدر على رعاية التحالفات الواسعة، في ظل الغياب الكامل للأحزاب الكبرى. وهذا ما عرف بنظام المحدلة أو البوسطة.

هذا العنصر بدأ في فترة ما بعد الحرب مرجحا ً، فضلا ً عن أنه بلغ مستويات عالية من التعسف في التقسيم على نحو يخل بالحد الأدى من المعايير الموضوعية. فغالبا ً ما تكون هذه الدوائر غير متساوية فيما بينها (لا حجما ً ولا ديموغرافيا ً ولا في المقاعد المخصصة لها) أو تشمل مناطق جغرافية تفتقر الى الروابط السياسية أن تقسيم تلك الدوائر بتم بموجب أحكام القانون الذي يمكن الطعن به أمام المجلس الدستوري خلال 15 يوما ً من تاريخ نشر القانون في دائرة انتخابية واحدة. ولكن أغرب ما في الأمر هو أن المجلس الدستوري اللبناني نفسه قد وقع في فخ "البراغماتية" حين شرع تقسيم الدوائر على نحو غير متساو بحجة وجود ضرورة وعلى شرط أن ينص القانون على أنه صدر "استثنائيا ً" ولمرة واحدة فقط (قرار رقم 4/96 بتاريخ 7/8/1996).

فكانت النتيجة تفاوتا ً صارخا ً في حجم الدوائر (دوائر من مقعدين أو ثلاثة وأخرى من 19 و 23 مقعدا ً). فكان المواطن في منطقة يختار نائبين ومواطن آخر في منطقة أخرى يختار 19   نائبا ً أو 23 نائبا ً.

كل هذا أدى الى تصدع الوحدة الوطنية وشعور أغلبية المواطنين بأنهم عرضة لعملية استغباء، وأنهم ألعوبة في يد مخططين مشبوهين يرسمون نتائج الانتخابات التي يريدون، ويفصلون النظام الانتخابي على قياس تلك النتائج.

وفي الواقع كانت التحالفات المفاجئة والمتقلبة تدفع الى تركيب لوائح معلبة من أناس لا يجمعهم شيء أحيانا ً الا اللحظة الانتخابية ومشيئة "مهندس تلك الانتخابات". وفي أغلب الأحيان لم يكن المواطن يعرف المرشحين الذين كان ينتخبهم أو لماذا هم في هذه اللائحة معا ً.

كما أن هذا التلاعب أدى الى تذويب اتجاهات الرأي المتنوعة التي يتميز بها المجتمع اللبناني، والتي هي من ميزات المجتمع السياسي الديمقراطي، ومصدر غنى للسياسة وللمواطنين على حد سواء. فاذا بالدوائر المعلبة تعمد الى تكريس هيمنة فريق سياسي موال على اتجاهات رأي معارضة، فلا تدفعها الى خسارة نسبية فحسب بل تمحوها تماما ً وتلغي وجودها كأنها لم تكن.

هذه الممارسة جعلت النظام السياسي اللبناني ينزلق الى عائلة الأنظمة الأحادية حيث الانتخابات في الفترة السابقة كانت اشبه بالاستفتاء الذي تفوق نتائجه ال 98% من الأصوات.

من هنا كان لا بد من الاقلاع نهائيا ً عن نظام الاقتراع الأكثري بالقوائم والدوائر الكبيرة الذي لم يعد مستخدما ً في العالم الديموقراطي، والاتجاه اما الى نظام الاقتراع الأكثري في دوائر فردية صغيرة، أو الى النظام النسبي في حال أريد الابقاء على الدوائر الكبرى. وسنتطرق فيما يلي الى حيثيات تفضيلنا لنظام الدائرة الفردية.

ثانيا ً: نظام الدائرة الفردية أو نظام المساواة بين المواطنين في الانتخابات

يعتمد نظام الدائرة مبدأ أن لكل مواطن صوتا ً ولكل مواطن حق اختيار أحد أعضاء المجلس النيابي. والدائرة الفردية معتمدة في عدد كبير من الدول، منها دول متطورة ومنها دول نامية، بعضها من الشمال وبعضها الآخر من الجنوب، منها دول غربية منها دول عربية.

يقضي هذا النظام، في مرحلة أولى، بتقسيم الدوائر الانتخابية الحالية الى دوائر فردية، بحسب عدد المقاعد النيابية المخصصة لكل دائرة، على أن يحافظ على أكبر قدر ممكن من التوازن في حجم الدوائر لناحية عدد الناخبين على مستوى لبنان.

يجري تقسيم الدوائر في ضوء النسيج الاجتماعي التاريخي في كل منطقة، ويتقاطع مع جغرافية المنطقة، بحيث يشعر المواطنون أنهم أصبحوا أكثر قدرة على اختيار حقيقي في ما بين المرشحين في دائرتهم الانتخابية.

يكون هناك 128 دائرة انتخابية موزعة مرحليا ً بحسب التوزيع الطائفي المعتمد حاليا ً. تجري الانتخابات في دورة واحدة أو على دورتين وفي كل الدوائر في تاريخ واحد.

ويفوز بالانتخابات المرشح الذي ينال العدد الأكبر من الأصوات في الدائرة التي ترشح فيها.

في مرحلة لاحقة، يمكن الغاء التوزيع الطائفي ويصبح بامكان أي مواطن أن يترشح حيث يريد، بحيث يصبح التمثيل الطائفي محصورا ً في مجلس الشيوخ المقترح انشاؤه في اتفاق الطائف.

ثالثا ً: حسنات نظام الدائرة الفردية ونتائجه على الصعيد السياسي وأسباب المفاضلة بينه وبين سائر الأنظمة الانتخابية القائمة على الدوائر الكبرى أو المتوسطة

1) حسنات النظام بصورة عامة في اطار التقليد الانتخابي اللبناني:

ان الحسنة الأولى في هذا النظام الانتخابي تنتج عن بساطته، فهو بصورة عامة من أكثر الأنظمة الانتخابية بساطة وسهولة.

يكرس المساواة التامة بين المواطنين في حق اختيار نوابهم.

يدفع المرشحين الى مواجهة الناخبين مباشرة واجراء حوار معهم بحيث يتفاعلون مع ارادة الناس وتوجهاتها وتطلعاتها، بدل التوجه نحو المهندسين القابعين في الخفايا لتعليب اللوائح. يخفف من تأثير عامل المال في الحياة السياسية عبر تخفيض النفقات الانتخابية، فيضمن مساواة أكبر في فرص الترشيح للانتخابات بين المواطنين أيا ً كانت قدراتهم الاقتصادية. ينزع من اللاعبين الكبار، العلنيين والسريين، القدرة على اختيار مرشحين عن المناطق من دون العودة الى الناس، فيخفف من الهيمنة ويكون النواب أكثر حرية في عملهم.
يكرس المساواة بين الجنسين، اذ يخفف من تأثير القاعدة الوراثية في الحياة السياسية، ويعيد مسألة النخبة الى قاعدة المنافسة الشفافة بين أشخاص.

يجدد الخطاب السياسي عبر تعزيز التواصل وتضمين البرامج الانتخابية حاجات الناس مباشرة.

يساهم في تجديد النخبة السياسية في لبنان، عبر شروط المساواة بين المواطنين، ناخبين كانوا أم مرشحين.

2) التأثيرات السياسية المباشرة لهذا النظام على الحياة السياسية والبرلمانية:

أما أهم النتائج السياسية لاعتماد نظام الدائرة الفردية فنذكرمنها:

أنه يجعل التنافس محصورا ً بين طرفين رئيسيين، ويتناوب هذان الطرفان دائما ً في الحكم، وأما الأطراف الثالثة، فانها نادرا ً ما تستطيع تجميع قواها أو الحصول على الدعم الشعبي المؤهل للفوز بأغلبية مقاعد البرلمان.

يتولد عن هذا النظام الحزب الواحد، أي أن الحزب الذي يحصل على العدد الأكبر من المقاعد البرلمانية هو الذي يشكل بمفرده الحكومة، حتى ولو كانت النسبة الكلية للأصوات التي حصل عليها أقل مما ناله الحزب المنافس (بمعنى آخر: فقد يحصل حزب واحد على 45 بالمئة من الأصوات ويفوز ب 55 بالمئة من المقاعد) وهذا يدل على أنه في ظل نظام الدائرة الفردية فان الحكومات الائتلاقية هي الاستثناء بدلا ً من أن تكون القاعدة. وهذا ما يؤدي في أغلب الأحيان الى استقرارية الحكم المنبثق عن الانتخابات.

في ظل نظام الدائرة الفردية، تكون المعارضة البرلمانية متماسكة، تقوم بالدور الرقابي بصورة دقيقة، وتقدم نفسها كبديل واقعي عن الحكومة.

يمنع الأحزاب المتطرفة من التمثيل البرلماني. فاذا لم يكن هذا الحزب المتطرف قد تركزت قواعده الشعبية في دائرة جغرافية محددة، فانه من غير المحتمل أن يفوز بأي مقعد نيابي في ظل نظام الدائرة الفردية، وهو بعكس نظام التمثيل النسبي حيث يمكن للمتطرفين أن يتجمعوا على الصعيد الوطني ويضمنوا التمثيل في البرلمان.

المحافظة على الصلة بين الناخبين وممثليهم في البرلمان. فعندما ينتخب النائب على أساس دوائر صغرى كقرى معينة أو مناطق محددة ضمن المدن، فان ناخبي هذه الدائرة يعرفون بصورة جيدة ممثلهم الخاص، وسيكون عندهم القدرة على محاسبته بصورة أفضل، وتجديد انتخابه أو رفض هذا التجديد اذا ما أساء التصرف.

يسمح نظام الدائرة الفردية للناخب في أن يفاضل بين أشخاص المرشحين، بدلا ً من المفاضلة فقط بين اللوائح أو الأحزاب المتنافسة. فباستطاعة الناخب أن يقيم أداء المرشح بدلا ً من أن يكون ملزما ً بقبول لا ئحة المرشحين المقدمة من قبل الحزب في ظل النظام النسبي.

يعطي هذا النظام فرصة للمرشحين المستقلين لأن ينتخبوا. وهذا أمر هام في تطوير أنظمة الحزب، وعلها تعطي اهتماما ً أكبر للروابط العائلية والعشائرية، بدلا من أن تكون مستندة فقط الى سلطة الحزب المركزية.

أخيرا ً، فان نظام الدائرة الفردية يتميز بالبساطة، وسهولة فهمه وتطبيقه، فلكي يكون صوت الناخب صحيحا ً لا يطلب من الناخب سوى وضع علامة واحدة بجانب اسم أو رمز مرشح واحد، وهو ما يسهل أيضا ً عملية الاحصاء وفرز الأصوات لتحديدا الفائزين.

من حسنات النظام الأكثري أيضا ً معرفة الناخبين بالمرشحين، خاصة في الحالة التي يكون فيها الاقتراع على مرشح واحد ولمقعد واحد أو عندما تكون الدائرة الانتخابية الصغرى قليلة السكان. من هذه الرؤية يمكن بأن المرشح يمثل حقا ً ناخبيه، فهو يعرفهم ويعرف توجاتهم ومطالبهم، ويعبر بصورة أفضل عن آرائهم، وكذلك فانه يساهم في اضعاف تأثير الأحزاب الكبيرة في تعيين المرشحين.

3) في أسباب المفاضلة بين نظام الدائرة الفردية وبين سائر الأنظمة الأخرى المبنية على الدائرة الكبرى والنسبية.

ان أول اشكالية تطرحها النسبية ضمن الدوائر الكبرى أم الوسطى، هي تلك المرتبطة بتشكيل اللوائح (في البلدان التي تسمى فيها الأحزاب مرشحيها)، فالظاهر أن تشكيل اللوائح هو من صنع قيادات الأحزاب السياسية الذين يعمدون الى تسمية القياديين الحزبيين، أو الأشخاص أصحاب التاريخ النضالي والأقدمية والانضباط والحماس النضالي عند المرشحين، حيث تجري قيادة الحزب الموازنة بين المرشحين، ويعملون على تقديم مرشحيهم وتشكيل اللوائح واختيار الشخص الذي يترأس هذه اللائحة، وأما الذين لا ترغب قيادة الحزب به أو الذين تعتبرهم منافسين فانها تضعهم في أسفل اللائحة. فاعداد اللوائح بأسماء المرشحين يتم في مقرات الأحزاب، ويخضع لمزاجية هذه القيادات، دون أن يكون للمواطن أي دور فاعل في هذا الترشيح أو الاختيار، بحيث يختار الناخب الخيار الحزبي لا خياره الشخصي أو علاقته بالمرشحين.

وكذلك تثار مسألة انقطاع الروابط والاتصالات بين الناخبين والمرشحين، وتبدو هذه الظاهرة أكثر وضوحا ً عندما توزع المقاعد بين اللوائح الوطنية، خاصة في الحالة التي لا يجري فيها تخصيص مقاعد على أساس مناطقي. فمثلا ً قد تفوز احدى اللوائح بعشرة مقاعد، ويأتي هؤلاء النواب العشرة من منطقة واحدة، هنا فورا ً يشعر المنتمي الى هذا الحزب أنه غير ممثل على الصعيد المحلي، لأن أيا ً من مرشحي منطقته لم يكن قد فاز في الانتخابات فانعدام الترابط بين النائب وناخبيه من الناحية الجغرافية ناشىء عن أن النائب لم يعد مرتبطا ً بجمهور منطقته، كارتباطه بالمنهج الذي يعتمده الحزب الذي يمثله.

ان اعتماد النظام النسبي، على أساس الدائرة الوطنية الكبرى كما في ناميبيا وجنوب افريقيا أو اسرائيل وفي العراق حديثا ً، يؤدي الى أضعاف الصلة بين الناخبين وأعضاء البرلمان. فالناخبون ليس لهم القدرة لتقرير هوية الأشخاص الذين سيمثلونهم، كما لن يكون عندهم القدرة على حجب الثقة عن شخص ثبت عدم كفاءته. وتتنامى هذه المخاوف في ظل الدول النامية التي يغلب عليها الطابع الريفي، حيث ان رغبة الناخبين في نائب يمثلهم مناطقيا ً أقوى الى حد كبير من رغبتهم بممثل ينتمي الى حزب سياسي لا يتعاطون معه بشكل فاعل.

اما النتيجحة السياسية الأهم للنسبية فهي تتعلق بالمجلس الذي يتولد عن هذا النظام الانتخابي، اذ انه يساعد على تشتيت الكتل البرلمانية، وهو يسمو بوظيفة المعارضة غير الملطفة، وكذلك بالصفة التنافسية في المجتمعات السياسية،وهو ما يؤدي الى الضغط والمشاكسة في عملية اتخاذ القرار، ما يؤدي الى شله وتجميده. واذا كان جمع مختلف توجهات الرأي العام في مجلس النواب قد يبدو أكثر عدالة، فان التمثيل النسبي يجعلها تصبح خطرة وأكثر تصلباً، وهذا ما يجعل من المستحيل تجميع أكثرية تستطيع أن تدير شؤون الحكم، انطلاقا ً من قوى سياسية متصلبة في مواقف يرفض بعضها بعضا ً دون مهادنة. فغالبية الحكومات التي تنشأ عن النظام النسبي هي حكومات ائتلافية (العراق) تلجأ في بعض الأحيان الى الأحزاب الصغيرة (فرنسا تحت الجمهورية الرابعة) وبالتالي يصعب وجود حكومة الحزب الواحد في ظل النظام النسبي. وهذا ما يؤدي الى صعوبة مرور التشريعات في المجلس النيابي وعدم القابلية اللاحقة لتنفيذ سياسات متماسكة، كما ان اتخاذ القرارات السريعة في حالة التعددية المستقطبة التي قد تسمح لأطراف صغيرة بأن تجبر أحزابا ً وقوى كبرى على الانصياع لشروطها في المفاوضات الائتلافية. وأهم الأمثلة في هذا المجال حالة النظام في اسرائيل، حيث تلعب الأحزاب الدينية المتطرفة دورا ً حاسما ً في أغلب الأحيان في تشكيل الحكومة، وكذلك تحملت ايطاليا خمسين سنة من الحكومات الائتلافية غير المستقرة. وقد قيل أيضا ً بأن النظام النسبي يسمح للأحزاب المتطرفة، من اليسار واليمين، بالوصول الى البرلمان، وقد كان هو السبب في انهيار نظام wcimar في ألمانيا نتيجة ضغوطات المجموعات المتطرفة.

الخلاصة

ان النظام الانتخابي القائم على الدائرة الفردية يتأسس على نقض السيئات التي تشوب سائر القوانين الانتخابية التي عرفناها في لبنان، وهو يسمح بتعزيز موقع المواطن في مواجهة التعليب والفبركة والبوسطات والمحادل والمال السياسي وهيمنة اصحاب النعمة على القرار الوطني.

ويتميز هذا النظام بأنه:
نظام شفاف غير مقابل للتلاعب.
نظام خفيف الكلفة.
نظام يعيد التنافس الى الطائفة الواحدة او العائلة الواحدة أو العشيرة الواحدة بدل الشعور بالمواجهة بين الطوائف.

يخفف من هيمنة الأكثريات وفي حالات الاختلاط الطائفي يعطي قوة تأثير للأقليات، فتتحول الى بيضة القبان في المننافسة بين مرشحين من الطائفة الأكبر عدديا ً.

يدفع الى الاعتدال في الخطاب، في ضوء الحاجة لتشكيل اكثرية للحكم.

يعيد الحرية الى المواطن ويكرس دوره في اختيار ممثليه ايا ً كانت الضغوطات الآتية من فوق او من الخارج.

وربما كان اهم ما في هذا النظام انه يفتح باب التجديد في الحياة السياسية ويشجع المواطنين على المشاركة سواسية في الانتخابات، اقتراعا ً وترشيحاً، رجالا ً ونساء، أيا كانت الفوارق والفقروقات في ما بينهم.