close
Login Form
Lawyer/Affiliate Sign Up
head

Article Content:

بحث قانوني نظري

بحث قانوني نظري Dissertation Juridique
الموضوع: الحق في الصورة Le droit à l’image
من سلسلة قانون الأموال – جامعة الروح القدس

الحق في الصورة هو من الحقوق الشخصية droits de la personalité التي ترتبط ارتباطا ً وثيقا ً بشخصية الانسان أي بذاتية الانسان وأطباعه الخاصة. وهي ترتبط عرضيا ً بشخصية الانسان القانونية أي بقابليته لاكتساب الحقوق والالتزام بالموجبات. وان ارتباطها بشخصية الانسان بمفهومها الذاتي ليس الا لحماية الشخصية بكافة مكوناتها.

فالحقوق الشخصية مكرسة لحماية حرية الانسان وصون كرامته وعدم التعرض اليها أو الى ارادته وعدم المساس بها. أما ارتباطها بالشخصية القانونية، فو يظهر جليا ً عند تعرض هذه الحقوق للانتهاك من خلال الموجبات المالية الملقاة على عاتق المنتهك الملزم بالتعويض على صاحب الحق.
فان التعرض لهذه الحقوق ينتج عمليا ً حقا ً مادي ً مكتسبا بالتعويض لمصلحة صاحب الحق الشخصي على عاتق الشخص الذي تعرض لحقوقه بقيمة الضرر.

وبالمقابل ان الحق في الصورة حق مستقل ضمن مجموعة الحقوق الشخصية وهو يستقل في وجوده ونظامه ويتفاعل باستقلاليته هذه مع حقوق أخرى لا سيما حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية نشر الأحداث المستجدة المنبثقة عن الحرية الاعلامية.

لذلك، لا بد من تقسيم هذه الدراسة قسمين  أولهما يخصص لدراسة نظام الحق في الصورة (القسم الأول) أما القسم الثاني فيخصص لتفاعل هذا الحق مع الحقوق والحريات الأخرى السابق ذكرها (القسم الثاني).

القسم الأول. نظام الحق في الصورة

يرتكز الاجتهاد الفرنسي لحماية الحق في الصورة على المادة 9 من القانون المدني الفرنسي المخصصة لحماية الحياة الخاصة الأمر الذي أدى الى حصول بعض الجدل حول ما اذا كان الحق في الصورة وسيلة اجتهادية معتمدة لحماية الحياة الخاصة بصورة غير مباشرة أو ما اذا كانت الصورة هي موضوع الحماية بنفسها.

ولقد قضي تأييدا ً لوجهة النظر الأولى أن نشر صور متخلفين عقليا ص فيحياتهم الخاصة داخل المؤسسات التي تأويهم من دون الحصول على موافقة ممثليهم الشرعيين يشكل انتهاكا ً غير مشروع لحياتهم الخاصة.

وقد قضي أيضا أن حماية الحياة الخاصة المكرسة في المادة 9 من القانون المدني الفرنسي تعطي لأي شخص الحق بأن يعترض على نشر صورته دون الحصول على موافقته المسبقة.

حتى أن بعض الاجتهاد اعتبر أن حماية الصورة وسيلة لحماية كرامة الانسان.

وقد قضت محكمة التميز الفرنسية في هذا السياق أن حرية تبادل الأخبار والمعلومات وحرية التعبير تسمح مبدئيا ً بنشر صور الأشخاص ضمن شروط معينة ولا سيما عدم المساس بكرامتم الانسانية.

وبذلك تكون الحماية مخصصة ليس لصورة الانسان بحد ذاتها بل لحماية حياته الخاصة وكرامته من خلال وضع قواعد وضوابط لنشر صورته.

اما وجهة النظر الأخرى فهي ترتقي بالصورة من وسيلة لحماية الكرامة الانسانية والحياة الخاصة للشخص الى اعتبارها موضوع الحماية بذاتها. وقد قضي في فرنسا تأييدا ً لهذا المنحى الاجتهادي أن لكل شخص الحق الحصري على صورته وله أن يعترض على استعمال أو نشر صورته من دون أخذ موافقته المسبقة.

كما قضي أن المساس بالحياة الخاصة والتعرض لحق الانسان على صورته انما يشكلان مصادر مستقلة للضرر ويرتبان نتيجة لذلك تعويض ً مستقلا ً عن كل منهما.

هذا التمايز كرسه اجتهاد لمحكمة التمييزاعتبرت فيه هذه المحكمة صراحة ً أن احترام الحياة الخاصة واحترام الحق بالصورة حقان متمايزان.

وقد برزت بعض الاجتهادات لتكرس مثلا ً وجود انتهاك للحق بالصورة يضاف اليه مساس بالحياة الخاصة.

أو وجود مساس بالحياة الخاصة من دون وجود أي انتهاك للحق بالصورة.

أو عدم وجد أي انتهاك لأي من الحقين.

وأخيرا ً، المساس بالحق بالصورة من دون التعرض للحياة الخاصة.

ان السلطات التي يعطيها الحق في الصورة هي اعطاء الحق لكل انسان بأن يعترض على استعمال صورته أو نشرها من دون الحصول على اذنه المسبق.
غيرأن الحق في الصورة لا يشمل فقط صور الأشخاص بل أيضا ً صور الأموال المنقولة وغير منقولة وذلك بالاستناد الى الممارسة السلبية لسلطات مالك المال المكرسة في المادة 544 من القانون المدني الفرنسي.

فان المادة 544 من القانون المدني الفرنسي تعطي المالك سلطة حصرية باستعمال المال والتمتع والتصرف المادي والقانوني به وهي تمنع بذلك الغير من التمتع بالمال عبر استعمال صورته أو نشرها أو استثمارها من دون الحصول على اذن المالك المسبق والصريح.

ان الحق على صورة المال المنقول وغير المنقول كرس اجتهاديا ً في قرار صدر عن محكمة التمييز الفرنسية بتاريخ 10شباط 1999 اعتبرت فيه أن مالك المال له الحق والسلطة الحصرية لاستثمار ماله بأي وجه كان وخلصت الى القول ان نشر واستعمال صورة المال من الغير عملية غير قانونية اذا تمت من دون الحصول علىموافقة المالك المسبقة.

اثنت المحكمة نفسها على مواقفها السابقة بقرار صدر في 25 كانون الأول عام 2000 حين اعتبرت  أن تسويق بطاقات بريدية تحمل صورة المال من دون موافقة المالك المسبقة تشكل ضررا ً غير مشروع (trouble illicite) يبرر تدخل قضاء العجلة.

تدخلت الهيئة العامة لمحكمة التمييز بقرار صدر عنها عام 2004 تميز عن القرارات السابقة بصورة جذرية من خلال وضع قواعد جديدة مغايرة للقواعد المعتمدة سابقا ً محددة بذلك أحكام وشروط دقيقة ومعايير جديدة لتكريس المساس بالحق في صورة المال. فقد اعتبرت الهيئة العامة أن مالك الشيء (chose) لا يملك حقا ً حصريا ً على صورته ولا يمكنه بذلك معارضة استعمال أو نشر هذه الصورة الا اذا سببت هذه العملية ضررا ً غير مألوف (trouble anormal).

لم يمض وقت طويل حتى انضمت محكمة التمييز وغالبية محاكم الأساس الى هذا الاجتهاد وذلك كما هو متعارف عليه مبدئيا ً في فرنسا لما للهيئة العامة لمحكمة التمييز من دور توحيدي (regulateur) لاجتهاد المحاكم على اختلاف درجاتها.

ان انتهاك الحق بالصورة ان كانت الصورة صورة شخص أو مال يرتب تعويضا ً وحقوقا ً مالية للضحية تتناسب مع الضرر المسبب له.

غير ان ما هو متعارف عليه من طبيعة غير مالية (extrapatrimonial) للحق بالصورة  أثار بعض الجدل أيضا ً. فقد ذهب بعض الاجتهاد الى حد تكريس الحق المالي بالصورة (droit patrimonial à l’image) معتبرا ً أنها يمكن أن تكون موضوع تفرغ أوتنازل بموجب عقد خاضع لقانون الموجبات والعقود خارج  اطار احكام قانون الملكية الأدبية والفكرية.

ولكن الاجتهاد التقليدي مغاير لهذا المنحى اذ انه يعتبر أن الحق في الصورة حق شخصي غير مالي يرتب لصاحبه تعويضا ً اذا ما تم التعرض اليه تماما ً كالحقوق الشخصية غير المالية الأخرى مثل الحق في احترام الحياة الخاصة والحق في الكرامة الخ. 

والدليل على ذلك أن محكمة التمييز الفرنسية حتى يومنا هذا لم تكرس نظرية الحق المالي في الصورة فجاءت أحدث قرارتها لتجمع بين تطبيق المادة 9 من القانون المدني الفرنسي وامكانية التنازل والتفرغ عن الحق في الصورة بموجب عقد خاضع لقانون الموجبات والعقود بمعزل عن تطبيق قانون حماية الملكية الفكرية والأدبية.

واجه هذا الاجتهاد انتقادات عديدة كونه من الصعب  أن يتألف مفهوما ً التفرغ cession والتنازل وقانون الموجبات والعقود مع المادة التاسعة من القانون المدني الفرنسي الأمر الذي دفع الفقه الى اقتراح تطبيق نظام خاص يتناسب مع الطابع المالي للحق في الصورة.

القسم الثاني. تفاعل الحق بالصورة مع غيره من الحقوق والحريات 

ان الحق في الصورة يترجم عمليا ً بمنع نشر و استعمال الصورة من دون الحصول على اذن صاحبها المسبق غير أن هذا المبدأ نسبي اذ أنه يتفاعل باستمرار مع حريات وحقوق أخرى بحيث يعطى الغير حق استعمال الصورة ونشرها من دون الحصول على موافقة صاحبها المسبقة في بعض الأحيان. 

من هذه الحريات والحقوق، حرية التعبير، حرية الصحافة، الحق في الحصول على الخبر والعلم بالأحداث المستجدة.

وقد صدرت بهذا الخصوص قرارات عديدة منها ما يؤكد على المبدأ ليفصح عن الاستثناء فلقد قضي مثلا ً على الحق الحصري لكل شخص على صورته وعلى السماح بنشرها وباستعمالها أو الامتناع عن ذلك. غير أن القضاء اعتبر أن هذا الحق يجب  أن يتألف مع حق الغير في الحصول على الخبر بحيث يمنع صاحب الصورة من ممارسة صلاحياته في كل مرة يمون فيها للغير مصلحة مشروعة لمعرفة الخبر.

كما قضي أن الحق في الصورة يسقط أمام الحق في حرية التعبير والحق في نشر الخبر.

غير أن نشر الصورة ضمن اطار حرية التعبير والحق في نشر الخبر مقيدة بشروط أهمها أن يكون الخبر من الأحداث المستجدة  وأن تكون الصورة مرتبطة ارتباطا ً وثيقا ً بالحدث. ولقد قضت محكمة التمييزالفرنسية في هذا السياق على جواز نشر صورة شخص يخضع للمحاكمة مستندة طبعا ً الى واقعة  أن المحاكمة حدث مستجد événement d’acualité

يثير هذا الاجتهاد بعض من التساؤلات لا سيما  أن الحق في الصورة لا يتفاعل فقط في هذه الحالة مع حرية نشر الأخبار المستجدة بل وأيضا ً مع حقوق أخرى مثل قرينة البراءة التي تنتهك بصورة واضحة بعرض صورة الشخص الذي يخضع للمحاكمة. 

ومن المستغرب استقرار الاجتهاد الفرنسي على هذا المنحى الاجتهادي في مثل هذه الحالات.

غير  أن محكمة التمييز شددت على ضرورة وجود علاقة وثيقة بين الصورة والحدث أي أن تكون الصورة تعبيرا ً عن الحدث المستجد أو أن تكون حتى الصورة تجسيدا ً لهذا الحدث.

لذلك، اعتبرت أنه لا مجال لنشر صور شخص أثناء حضوره حدثا ً رياضيا ً لا يشارك شخصيا ً فيه ودون أن يكون حدث وجوده هو الحدث المستجد بحد ذاته وذلك من دون الحصول على موافقته المسبقة.

انضمت محاكم الأساس الى هذا النهج فاعتبرت محكمة الاستئناف بدورها أن نشر صورة شخص خارج اطار الأحداث التي تتعلق به لا يمكن أن يتم من دون الحصول على موافقة هذا الشخص المسبقة.

في جهة معاكسة، كرست المحاكم حق الصحافة في نشر صور الأشخاص وذلك ضمن اطار الأخبار المستجدة المتعلقة بهم من دون أي موافقة مسبقة.

الترجمة العملية لموقف الاجتاد هو السماح بعرض الصورة عندما يكون الشخص المعني جزء ًمن الحدث المستجد أو الحدث المستجد بحد ذاته. 

والحدث قد يكون قضائيا ً كما سبق وأشرنا أو سياسيا أو رياضيا ً أو طبيعيا.

وبطبيعة الحال، ان نشر صورة رجل سياسي خارج اطار عمله أثناء قيامه بشراء حاجياته مع ابنته لا يدخل ضمن اطار الأحداث المستجدة أو حرية تداول الأخبار أو حرية التعبير.

كما أن نشر الصورة مقيد أيضا ً بصوابية اختيار هذه الصورة وبعلاقة الصورة المباشرة بالمعلومة أو الخبر وبتجانسها معه. فلقد اعتبرت المحاكم أن نشر صورة شخص لا علاقة له بالحدث بدل صورة الشخص المشهور موضوع الحدث أمر مخالف للقانون.

كما اعتبرت محكمة التمييز أن نشر صورة رجل سياسي يدافع عن العلمانية وهو يصلي في الكنيسة أمر غير مشروع طالما أن التجانس بين الصورة والحدث أي بين الصورة و قضية السياسي المدافع عن العلمانية غير موجود. ان غياب التجانس بين الصورة والحدث واضح في هذه الحالة طالما أن الصورة تدخل  أولا ضمن اطار الحياة الخاصة للسياسي وهي لا تتعارض مع دفاعه عن العلمانية في الحقل العام. نعتبر أن هذا الاجتهاد يثير أيضا ً مسألة صوابية اختيار الصورة وعلاقتها المباشرة بالقضية أو الحدث المستجد.

أما علاقة الصورة المباشرة بالحدث، فتطرقت اليها محكمة التمييز في قرار لها منعت بموجبه نشر صور لبعض محترفي ركوب الدراجات الهوائية في سباق لهم ضمن اطار البحث في حدث لا علاقة له بهؤلاء الدراجين وهو يناول تعاطي بعض الرياضيين المنشطات لتحسين الأداء الرياضي.

كما أن علاقة الصورة بالحدث تفسرها المحاكم بصورة ضيقة بحيث منعت نشر صور أحد المشاركين في مسابقة تلفزيونية أخذت له ضمن اطار آخر معتبرة أنه لا يوجد علاقة مباشرة بين الحدث وهو المسابقة التلفزيونية وصورة المشارك طالما أن هذه الصورة أخذت ضمن اطار ولحاجات مختلفة جذريا ً.

أخيراً، ان نشر الصورة  ضمن اطار حرية التعبير والصحافة وتداول الأخبار مقيد أيضا ً باحترام الكرامة الانسانية وبعدم التعرض لها.

نلاحظ أن الحق في الصورة اشكالية معقدة وصعبة وأن نشر صورة الأشخاص أو استثمارها لا يخلوان من المخاطرة نظرا ً الى الشروط القاسية التي يجب أن تراعيها عملية النشر هذه حتى ولو برر النشر بمبدأ حرية التعبير وحرية الصحافة كما  أظهرنا سابقا ً.

لذلك، برزت تيارات اجتهادية وفقهية تشجع على التشويه الفني للصورة كوسيلة وسطية تحافظ على حرية التعبير والصحافة وعلى حق الانسان في احترام صورته. وقد استعملت هذه الطريقة وغيرها من الطرق كاخفاء الوجه وذلك لمعالجة مواضيع دقيقة كالدعارة وغيرها.

كما  أن تحديد أسس ومعايير حماية الحق في الصورة كحق مستقل عن الحق في حماية الحياة الخاصة ومستقل أيضا ً عن قانون حماية الملكية الفكرية غير مطروح بصورة واضحة المعالم لسوء الحظ في الاجتهاد والقانون في لبنان.

ان هذا الأمر يدفع بالمحاكم اللبنانية عادة ً الى اللجوء الى المعاهدات الدولية ولا سيما الاعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة 12 منه والمادة 17 من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحائزين على القوة الدستورية، الى قانون الملكية الفكرية والأدبية والى قانون الموجبات والعقود في المادة 122 منه للحكم بالتعويض الناتج من التعرض للحق في الصورة