close
Login Form
Lawyer/Affiliate Sign Up
head

Article Content:

الشرط الجزائي في عقد التمويل بطريق التأجير

الشرط الجزائي في عقد التمويل بطريق التأجير - شروق عباس فاضل، دكتورة، أستاذ مساعد في كلية الحقوق - جامعة النهرين، العراق

يعد عقد التمويل بطريق التأجير بالصيغة المعروفة في الوقت الحاضر، من العقود المستجدة في اطار المشروعات التجارية والصناعية والخدماتية، ووسيلة مستحدثة للتمويل وان كانت أصوله الأولى تمتد الى زمن سابق في القدم، فظهر في الولايات المتحدة وفرنسا وانتشر الى البلدان العربية، وتطور في ظل التقدم الاقتصادي والتكنولوجي، وبدأت الدول على اثر ذلك تسن القوانين المنظمة لهذا العقد تنظيما ً شاملا ً كلبنان ومصر والأردن والمغرب وتونس وغيرها.

وفي الحقيقة ان الغرض الأساسي من هذا العقد تمويل استثمارات المشاريع التجارية والصناعية. فالمؤجر التمويلي يلتزم بشراء الأصل الذي اختاره المستأجر من البائع الذي حدده أو دفع تكلفته دون تجميد الأموال، وبالتالي تحديد الأصول الانتاجية وتوفيرها لاقامة هذه المشاريع، وتمكين المستأجر من الانتفاع بالمأجور طوال مدة العقد، وعلى المستأجر استلام هذا الأصل والمحافظة عليه وصيانته ودفع بدل الأجرة المتفق عليها.

وللمؤجر التمويلي ضمانات قانونية وأخرى اتفاقية، ويعد الشرط الجزائي من الضمانات الاتفاقية غير المباشرة لضمان وفاء المستأجر بالتزاماته، يؤدي الى استرداد المأجور واستحقاق فوري لبدل الأجرة المستحقة عن المدة المتبقية في العقد بالاضافة الى دفع مبلغ معين على سبيل الجزاء، وبالتالي يتمتع هذا العقد بأهمية خاصة في المجال التجاري والاقتصادي.

المبحث الاول. التحديد القانوني للشرط الجزائي في عقد التمويل بطريق التأجير

للوصول الى التحديد القانوني الدقيق للشرط الجزائي كضمان غير مباشر في عقد التمويل، يتعين بيان مفهوم الشرط الجزائي في مطلب أول، والخصائص التي يتميز بها في مطلب ثان.

المطلب الأول. مفهوم الشرط الجزائي

يعرف الشرط الجزائي بأنه اتفاق يحدد فيه المتعاقدان مقدما ً مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن اذا لم ينفذ المدين التزامه أو أخل به أو تأخر في تنفيذه. ويسمى أيضا ً "التعويض الاتفاقي". وهو شرط يدرج عادة ضمن شروط العقد الأصلي، ويقوم استحقاق التعويض على أساسه، فهو في جوهره ليس الا تقديرا ً اتفاقيا ً للتعويض الواجب أداؤه فلا يعد بذاته مصدرا ً لوجوب هذا التعويض، بل للوجوب مصدر آخر قد يكون التعاقد في بعض الصور (البند "ب" من الفقرة الثانية من المادة الأولى من اتفاقية معهد روما لسنة 1988 بشأن عقود التأجير التمويلي الدولية؛ والفقرات 1-2-3 من المادة الثانية من قانون التأجير التمويلي المصري رقم 95 لسنة 1995). وقد يكون العمل غير المشروع في صور أخرى، الا أن المجال التعاقدي يبقى المجال الأصيل الذي يعمل فيه الشرط الجزائي. فيعد ضمان غير مباشر يجبر بمقتضاه المستأجر على الوفاء بالتزاماته، والا تعرض للجزاء المتفق عليه، فيؤدي الى استرداد المأجور واستحقاق الأجرة المستحقة عن المدة المتبقية في العقد فورا ً مضافا ً الى ذلك دفع مبلغ معين على سبيل الجزاء، وفي الغالب يفوق مقدار هذا الجزاء (الشرط الجزائي) مقدار الضرر الذي لحق فعلا ً بالمؤجر (الممول) في هذا العقد.

عليه فأن الشرط الجزائي هو اتفاق سابق على تقدير التعويض الذي يستحقه الدائن (الممول) في حالة عدم التنفيذ أو التأخر فيه. تنص المادة 170 من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 على انه "يجوز للمتعاقدين ان يحددا مقدما ً قيمة التعويض بالنص عليه في العقد أو في اتفاق لاحق ويراعى في هذه الحالة أحكام المواد 168 - 256 - 257 - 258".

واذا كانت وظيفة الشرط الجزائي (وهو من الضمانات الاتفاقية غير المباشرة) هي وظيفة تعويضية بحتة، فيتحدد التعويض على أساس الأجرة المتبقية، مع ملاحظة أن أجرة التمويل بطريق الايجار تتحدد وفقا ً لاعتبارات مالية صرفة وبالتالي لا يمكن أن ينتج عن فسخ العقد سوى ضرر مالي للمؤجر. وطبقا ً للقواعد العامة يتمثل التعويض بما لحق المتضرر من ضرر من جراء الفسخ، والخسارة اللاحقة به فعلا ً دون الربح. وتتمثل الخسارة اللاحقة بالمؤجر في عدم اهلاك رأسماله المستثمر في التأجير التمويلي. بالاضافة الى النفقات المالية ونفقات تخزين الأصل الذي يسترده ومصروفات بيعه او تأجيره.

وقد يتضمن الشرط معنى العقوبة المدنية والجزاء للضغط دون أن يكون حتما ً غرامة اكراهية محسوبة عن التأجير في التنفيذ ودون أن يفصح المتعاقدان عن أنها تمثل الضرر الذي قدراه في حالة الاخلال بالعقد. ويتحقق هذا الوصف عندما تكون قيمته أعلى من الضرر الذي وقع فعلا ً فيمثل الفرق بينهما نوعا ً من الجزاء، يتحمله المدين المخل (المستأجر)، ويكون هنا للشرط دورا ً جزائيا ً بالقدر الذي يزيد فيه عن حقيقة الضرر الذي لحق بالدائن، وتكمن هنا الوظيفة التأمينية له باعتباره وسيلة من وسائل الضمان والتأمين.

ويجد الشرط الجزائي مجالا ً خصبا ً في البيع الائتماني وبالخصوص البيع بالتقسيط وعقد التأجير التمويلي محل البحث لكلا المتعاقدين وللغير على حد سواء.

المطلب الثاني. خصائص الشرط الجزائي

أما عن خصائص الشرط الجزائي موضوع البحث فانه يتميز بما يلي:

أولا: اتفاق بين طرفين على تقدير التعويض، لذا يجب أن يستوفي هذا الاتفاق أركان العقد وشروطه وتسري عليه أحكام العقد من بطلان وتوقف وغيرها، هذا من جهة. ومن جهة ثانية بما انه اتفاق على تقدير التعويض فينبغي لكي ينتج هذا الاتفاق أثره أن تتوافر فيه جميع شروط استحقاق التعويض.

ثانيا ً: اتفاق يحدد فيه الطرفان مقدما ً مقدار التعويض، ويقتضي ذلك أن يسبق هذا الاتفاق عدم التنفيذ أو التراخي فيه، بمنأى عن الضرر، لأن تقديره يكون قبل التنفيذ. بذلك يكون التقدير جزافا ً لأن المتعاقدين قدرا ً التعويض المستحق مقدما ً قبل وقوع الضرر ومعرفة درجة جسامته، فمن الطبيعي حتما ً أن يختلف  التقدير عن مقدار الضرر الحقيقي أو الفعلي الواقع على الدائن جزاء عدم تنفيذ المدين لالتزامه.

ثالثا ً: اتفاق ينطوي على خروج عن أحكام التقدير القضائي، لذا قد يكون التعويض الاتفاقي مبالغا ً فيه لدرجة كبيرة أو قد يكون هذا التعويض أقل من الضرر الواقع فعلا ً. أخيرا ً قد يكون هذا الاتفاق أو الشرط الجزائي بمثابة تحايل للاعفاء من المسؤولية او الحد منها.

ولما كان الأصل في تقدير التعويض أن يتولاه القضاء، فان أحكام التعويض تعد أحكاما ً استثنائية لذلك ينبغي تفسير النصوص الخاصة بالتعويض الاتفاقي بكل دقة ودون توسع، وأن يكون تطبيق الشرط الجزائي مقصور ً على الحالة التي قصدها الطرفان.

رابعا ً: التزام تابع للأتزام الأصلي الوارد في العقد، لأن الاتفاق على الشرط الجزائي لم يقصد لذاته وانما تم بمناسبة الاتفاق على التزام آخر وبقصد حمل المتعاقد على تنفيذه، فهو اتفاق لا يولد التزاما ً أصليا ً بالتعويض وانما ينشىء التزاما ً تبعيا ً بتقدير التعويض في مواجهة الالتزام الأصلي المنصب عليه. ويترتب على ذلك ما يلي:

1- لا يملك الدائن مطالبة المدين الا بالالتزام الأصلي ما دام ممكنا ً، كما لا يجوز للمدين أن يعرض على الدائن الا الالتزام الأصلي الوارد في العقد.
2- انقضاء الألتزام الأصلي يؤدي الى انقضاء الشرط الجزائي الوارد في العقد بالتبعية، وقد أشارت الى ذلك المادة 20 من قانون التأجير التمويلي المصري رقم 95 لسنة 1995.
3- ان التعويض الاتفاقي عن عدم التنفيذ لا يحول دون لجوء المدين الى الوسائل المباشرة كالتنفيذ على نفقة المدين او الوسائل غير المباشرة للتنفيذ العيني كالغرامة التهديدية، بتوافر الشروط القانونية اللازمة لذلك.

4- بطلان الالتزام الأصلي يؤدي الى بطلان الشرط الجزائي. كما ان الأوصاف التي تلحق بالالتزام الأصلي تقترن بالتبعية بالالتزام التبعي (الشرط الجزائي) ويصبح موصوفا ً بأوصاف الالتزام الأصلي.

المبحث الثاني. عناصر استحقاق الشرط الجزائي في عقد التمويل بطريق التأجير

بينا فيما سبق أن من أهم الضمانات غير المباشرة للمؤجر التمويلي، الشرط الجزائي، وبما أن الأخير هو تقدير مقدم للتعويض المستحق عند اخلال المدين بالتزاماته (المستأجر التمويلي) او التأخر فيها، وان علة استحقاق هذا التعويض انما هو الجزاء عن الاخلال بالتنفيذ او التأخر فيه، وأن علة استحقاق هذا التعويض انما هو الجزاء عن الاخلال بالتنفيذ او التأخر فيه. ومن هذا المنطلق فمن الضروري توافر عناصر التعويض بصفة عامة والمتمثلة في وجود خطأ من المدين وضرر يصيب الدائن والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر اضافة الى الاعذار.

المطلب الأول. الخطأ

تشعبت آراء الفقهاء في تعريف الخطأ وتنوعت وأصبح الاختيار بينها ليس بالأمر ليسير، مع أن تعريف الأستاذ بلانيول للخطأ قد انطلقت منه غالبية التعريفات المعاصرة، وهو "الاخلال بالتزام سابق". وذهب آخرون الى أن الخطأ هو عدم تنفيذ المدين لالتزامه وهو الخطأ العقدي، أو هو اخلال بالتزام قانوني بعدم الاضرار بالغير، وهذا الالتزام يكون سابقا ً ويصدر عن تمييز وادراك.

يتضح مما تقدم أن المدين يعد مسؤولا ً عن تنفيذ ما ألزم نفسه به في العقد استنادا ً الى أن العقد شريعة المتعاقدين ويجب تنفيذه طبقا ً لما اشتمل عليه، ثم أن الالتزام ينفذ جبرا ً على المدين، عليه فأن مسلك المدين نحو عدم تنفيذ التزامه هو الخطأ بعينه.

بناء ً على ما تقدم فأن الشرط الجزائي في مجال عقد التمويل لا يستحق الا اذا كان هناك خطأ من المدين بالمفهوم المتقدم، والغالب أن يكون هذا الخطأ خطأ عقديا ً. تنص المادة 10 من قانون التأجير التمويلي المصري على انه "يتحمل المستأجر المسؤولية المدنية الناشئة عن الاضرار التي تسببها الأموال المؤجرة وفقا لأحكام القانون المدني. ويتحمل المؤجر تبعة هلاك المال المؤجر متى كان ذلك بسبب لا دخل للمستأجرفيه"، كما ان اخلاله بالالتزامات الواردة في المواد 8و9و11و19 فقرة "أ" و21، يشكل خطأ من جانبه يستوجب المسؤولية. وفي حالة انتفاء الخطأ من جانب المدين فانه يرتب انتفاء المسؤولية ولا يكون مبرر لاعمال الشرط الجزائي واستحقاقه اذ يعد تقديرا ً مقدما ً للتعويض، والتعويض في هذا المجال غير مبرر.

المطلب الثاني. الضرر

لا يستحق الشرط الجزائي كضمان غير مباشر في عقد التمويل بطريق التأجير اذا لم يكن هناك ضرر أصاب المؤجر (شركة التمويل) لأن الضرر من أركان المسؤولية العقدية ومن شروط استحقاق التعويض الاتفاقي، فاذا لم يوجد ضرر لا يكون هناك مبرر لاستحقاق التعويض.

والضرر هو الصورة الملموسة التي تتمثل فيها نتائج الخطأ العقدي، وهذا معناه ان الخطأ اذا لم يترتب عليه ضرر فأنه لا مجال لاعمال قواعد المسؤولية العقدية. الا ان الرأي قد انقسم في مسألة اشتراط الضرر واستحقاق الشرط الجزائي الى اتجاهين:

الاتجاه الأول: يذهب الى عدم وجود ضرورة لاشتراط الضرر احتراما ً لمبدأ سلطان الارادة وزيادة لطمأنينة الدائن الى الضمان . ثم ان عبارة الشرط الجزائي اضافة الى أنها تمثل تعويضا ً اتفاقيا ً عن عدم التنفيذ أو الاخلال به فهي وسيلة لاكراه المدين (المستأجر) على التنفيذ ودفع كامل الأقساط المتبقية وان لم يحصل ضرر، والعقوبة وفقا ً لهذا المفهوم لا تستلزم الضرر. ومع ذلك فان هذه القاعدة ليست من النظام العام.

الاتجاه الثاني: يذهب هذا الرأي الى ضرورة وجود الضرر لاستحقاق الشرط الجزائي لأن الأساس في ارادة المتعاقدين في وجود الشرط الجزائي. اتجهت الى ثبوت الحق في ظل الجزاء المشروط اذا ترتب ضرر على الاخلال بالالتزام باعتباره تعويضا ً. بالاضافة الى ان القول باشتراط توافر الضرر يتماشى مع القواعد القانونية الوضعية التي تقضي بأنه لا دعوى دون فائدة ولا فائدة دون ضرر، ثم  أن العدالة تأبى أن يثري الدائن على حساب المدين اذا لم يصبه أي ضرر وهو ما أخذت به القوانين واتجاهات القضاء.

ومن الملاحظ أن وجود الشرط الجزائي في العقد يجعل الضرر واقعا ً في تقدير المتعاقدين ولذلك يفترض وقوع الضرر وبالتالي لا يكلف الدائن باثباته، وعلى المدين المدعي بعدم وجود أي ضرر من جراء عدم التنفيذ أو التأخر فيه اثبات ذلك. وفي اطار اثبات الضرر وخلافا ً للقواعد العامة ينتقل العبء من الدائن الى المدين بفضل وجود الشرط الجزائي.

ولخصوصية عقد التمويل بطريق التأجير لا بد من التمييز بين حالتين:

الحالة الأولى: أن يحدد المؤجر التمويلي الضرر بصورة تقديرية، أي  أن يقدر مقدما ً مقدار الضرر الذي يمكن أن يلحق به في حالة عدم اتمام العقد وتصدر موافقة من المستأجر على ذلك، وبالتالي يلتزم بالشرط الجزائي فيكون الضرر واقعا ً في تقدير الطرفين، ولا يحق للمستأجر أن يفترض العكس ليتسنى له التخلص من الشرط الجزائي بل ان القاضي لا يستطيع أن يعفي المستأجر من التعويض بدعوى عدم تحقق الضرر وانما له الحق فقط بتعديل هذا الاتفاق بما يجعل التقدير مساويا ً للضرر بعد تحققه مستقبلا ً. وللمؤجر (شركة التمويل) كامل الأقساط المتبقية من دون اثبات حصول ضرر استنادا ً للاتفاق الصريح والسابق على ذلك.

الحالة الثانية: عدم افصاح المتعاقدين أن الشرط الجزائي هو غرامه تهديدية عن التأخير أو أنه يمثل الضرر المقدر عن تحقق الاخلال بالعقد، وللمحكمة في هذه الحالة تقدير مدى اعمال الشرط الجزائي كتعويض عن الضرر من عدمه لعدم تحقق الضرر، ومسألة اثبات الأخير، على المدعي (الدائن). وقد ينقلب عبء الاثبات على المدين بمناسبة وجود الشرط الجزائي فيتولى اثبات أن الدائن لم يصبه أي ضرر من جراء عدم التنفيذ أو الاخلال به.

والحكمة من ذلك أن مقدار الشرط الجزائي في عقد التمويل يتحدد على أساس الأجرة المتبقية للمؤجر أي بناء على معايير واعتبارات مالية فلا ينتج عن الفسخ سوى ضرر مالي للمؤجر يعوض على أساسه عن أي خسارة لاحقة به بالاضافة الى النفقات والمصروفات التي تحملها المؤجر التمويلي.

ولا يفوتنا هنا أن شروط الضرر لا بد من تحققها بأن يكون مباشرا ً، ونتيجة طبيعية لاخلال المستأجر بالتزامه العقدي، ومتوقعا ً عند ابرام العقد، مع مراعاة تعويض الضرر غير المتوقع في حالتي الغش والخطأ الجسيم. وبالتالي يستطيع الدائن أن يطالب بالتعويض عن الضرر الحاصل فعلا ً.

المطلب الثالث. العلاقة السببية

العلاقة السببية شرط عام في المسؤولية المدنية، وفي الشرط الجزائي خصوصا ً. فتوجد المسؤولية بوجود هذه العلاقة وتنتفي بانتفائها.

والعلاقة السببية هي العلاقة المباشرة بين خطأ المسؤول والضرر الذي أصاب المتضرر، ويشترط للحكم بوجود هذه العلاقة أن يكون الضرر نتيجة مباشرة لهذا الخطأ والا انعدمت المسؤولية، وعبء اثباتها على الدائن (شركة التمويل) لأنها المدعية. ومن الممكن أن يثبت المدين العكس بنفي وجود هذه العلاقة السببية فيثبت أن الضرر الذي لحق بالمؤجر التمويلي من عدم التنفيذ او التأخرفيه يعود لسبب أجنبي لا يد له فيه (م168 مدني عراقي) فتنتفي العلاقة بين الخطأ والضرر. أو أن الضرر غير مباشر أو كان مباشرا ً غير متوقع فلا تتحقق المسؤولية ولا يستحق التعويض وبالتالي لا محل لاعمال الشرط الجزائي. وبذلك قد منح المدين فرصة للتخلص من الشرط الجزائي كاملا ً، أو بانقاص قيمة التعويض المنصوص فيه باثبات أن استحالة التنفيذ او التأخر فيه كان بسبب أجنبي أو الخطأ مشترك بينه وبين الدائن، أي شركة التمويل ( المادة 21 من قانون التأجير التمويلي المصري).

المطلب الرابع. الاعذار

لا بد لاستحقاق التعويض المنصوص عليه بالشرط الجزائي أن يقوم الدائن باعذار المدين والحكمة من الاعذار هنا أن تثبت شركة التمويل بأن المستأجر متأخر في تنفيذ التزامه من جهة، ومن جهة ثانية فان الاعذار يمكن حسن النية من تنظيم دفاعه لأن معرفة المدين بمدى حقوقه غالبا ً ما تكون غير كافية، ثم ان الاعتبارات الاجتماعية والعرفية توجب على الدائن، قبل أن يشرع في اتخاذ اجراءات عنيفة ضد المدين، أن يبدأ بتنبيهه لعله يقوم بالوفاء. فاذا حل أجل التنفيذ ومع ذلك سكت الدائن عن المطالبة بالتنفيذ فيؤخذ ذلك على محمل التسامح وأنه لم يصبه أي ضرر من التأخر والا فعليه أن يشعر المدين بالالتزام بالتنفيذ باعذاره بالطرق التي رسمها القانون ويلزم فورا ً بتنفيذ التزامه وكل تأخر يستوجب التعويض. ويصح أن يمنح الدائن المدين في الاعذار أجلا لتنفيذ  الالتزام دون أن يؤثر الأجل في قوة الاعذار، فمتى حل الأجل الممنوح أصبح المدين معذرا ً.

وشرط الاعذار غير متعلق بالنظام العام وهو مقرر لمصلحة المستأجر ومن ثم فانه يجب اثارته من المدين وتمسكه بعدم قيام شركة التمويل به للتخلص من التزامه المنصوص في الشرط الجزائي. ويمكن الاتفاق بين المتعاقدين على الاعفاء من الاعذار بشرط صريح في العقد. واذا كانت الأحكام السابقة في الاعذار هي القاعدة لعامة الا انها ليست مطلقة اذ أن هناك بعض الحالات لا يشترط فيها اعذار المدين (المستأجر) في سبيل استحقاق التعويض حيث تنتفي الحكمة فيها من توجيهه ويعتبر مجرد حلول الأجل اشعارا ً كافيا ً للمدين بوجوب تنفيذ التزامه. وهو ما أشارت اليه الفقرات "أ" و"ب" و"ج" من المادة 19 من قانون التأجير التمويلي المصري.

المبحث الثالث. أحكام الشرط الجزائي كضمان اتفاقي غير مباشر في عقد التمويل بطريق التأجير

القاعدة الأساسية انه لا مجال لاعمال الشرط الجزائي في عقد التمويل ما دام بالامكان تنفيذ الالتزام الأصلي، فاذا لم ينفذ الالتزام الأصلي أو تأخر المستأجر التمويلي فيه وتوافرت الشروط القانونية اللازمة لاستحقاق الشرط الجزائي فانه يصبح مستحقا ً ويتعين الوفاء به، بناء ً على ذلك اذا تحققت فرضية عدم التنفيذ للالتزام الوارد في العقد أو التأخر فيه يستحق الشرط الجزائي لتوافر شروطه ويكون حق الاختيار كحق قانوني، للدائن (المؤجر) أن يطالب بالشرط الجزائي على انه ليس طريقا ً من طرق الوفاء بل هو مؤاخذة أو جزاء للمدين على عدم تنفيذ التزامه او التأخر فيه وغايته ضمان تنفيذ الالتزام وتقريره، ولا يترك الاختيار هنا للمدين حتى يجعله وسيلة للتملص، ولا يستبعد هنا أن للدائن المطالبة بالتنفيذ العيني للالتزام الأصلي الا اذا كان الأخير من غير الممكن القيام به الا من فبل المدين وامتنع عن ذلك أو كان مرهقا ً له ولم يلحق بالدائن ضررا ً جسيما من ذلك. ولا يجوز الجمع بين التنفيذ العيني والشرط الجزائي الا في حالة التأخر في التنفيذ مع وجود تناسب بين التعويض المتفق عليه لشركة التمويل والضرر الواقع فعلا ً على المؤجر التمويلي، وبالتالي يتعين على القاضي الحكم بالمبلغ المتفق عليه. ومع ذلك ومراعاة للعدالة فان القاضي سلطة في تعديل الشرط الجزائي في عقد التمويل بالنقص وبالزيادة في حالات معينة نتناولها في المطلبين الآتيين:

المطلب الأول. تخفيض الشرط الجزائي

مما سبق يتبين عدم أحقية شركة التمويل في التعويض المنصوص عليه بالشرط الجزائي اذا أثبت المستأجر أن شركة التأجير التمويلي المؤجرة لم يلحقها اي ضرر نتيجة اخلاله بالتزاماته او نتيجة فسخ عقد التمويل، وللقاضي أن يحكم بذلك كما يحق له أن ينقص مقدار التعويض المتفق عليه بالشرط الجزائي اذا  أثبت المستأجر انه قد نفذ جزءا ً من التزامه في عقد التمويل أو اذا أثبت المستأجر أن التعويض المحدد سلفا ً في العقد مبالغا ً فيه الى درجة كبيرة، ولا يعني تخفيض القاضي لقيمة التعويض أن ينقصه الى درجة التعادل مع الضرر الذي وقع على شركة التمويل (المؤجرة) وانما تخفيض مقدار التعويض الى الحد الذي لا يكون مبالغا ً فيه فقط، ولضرورة لا غنى عنها، ومطلبا ً حيويا ً لمواجهة كل  أشكال التعسف التي قد يسببها الشرط الجزائي. وبموجب التعديل الذي أدخله المشرع الفرنسي على نص المادة 1231-5 من التقنين المدني الفرنسي أصبح  من حق القاضي تخفيض التعويض المتفق عليه اذا كان مبالغا ً فيه الى درجة كبيرة كما يجوز زيادة التعويض اذا كان بخسا الى درجة كبير، طبقا لظروف كل قضية على حدة دون الحلول محل ارادة الطرفين المتعاقدين. ويتم تقدير المبالغة الكبيرة في تحديد قيمة التعويض المحدد بالشرط الجزائي وقت الامتناع عن تنفيذ عقد الايجار أو فسخه وذلك  لأن التقدير يتم بناء ً على الاضرار التي لحقت بشركة التمويل من جراء عدم الاستمرار في تنفيذ عقد الايجار.

ويذهب جانب من الفقه، بأنه يمكن الاستناد الى التنفيذ الجزئي للعقد في اثبات مدى المبالغة الكبيرة للتعويض المقدر في الشرط الجزائي استنادا ً الى الفقرة الثانية من المادة 1231-5 مدني  فرنسي واستخدام عبارة التنفيذ الجزئي لعقد التمويل كقرينة على اثبات المبالغة الكبيرة في التعويض، في حين ذهب جانب آخر الى أن هذا العقد غير قابل للتنفيذ الجزئي، الأمر الذي يتعذر معه تعديل الشرط الجزائي، وذهبت الى ذلك بعض الأحكام. وأصبح للقاضي الحق في أن يتعرض من تلقاء نفسه للشرط الجزائي في عقد التمويل بالتخفيض أو بالزيادة. ولم يعد القاضي بحاجة للبحث في ثنايا نصوص العقد عن الطابع المغالى فيه للجزاء التعاقدي.

المطلب الثاني. زيادة الشرط الجزائي

للمحكمة زيادة قيمة الشرط الجزائي اذا أثبت المؤجر (الدائن) أن الاخلال بتنفيذ الالتزام العقدي ينسب الى غش او خطأ جسيم ارتكبه المستأجر(المدين) وكان الضرر يفوق في مقداره قيمة الشرط. وهذا الاخلال بالتنفيذ و التأخير فيه، والذي صاحبه غش او خطأ جسيم، على أساس أن المؤجر عند اتفاقه مع المستأجر على تقدير التعويض لم يدخل في حسابه غش المستأجر او خطئه الجسيم بل اعتمد فيه ذلك على حسن النية في جميع الالتزامت وبالتالي للقاضي سلطة زيادة قيمة الشرط الجزائي، من جهة.

ومن جهة ثانية اذا كانت قيمة الشرط الجزائي لا تتناسب وكونه تعويض ً جديا ً عن الضرر وانما كان وسيلة تحايل للاعفاء من المسؤولية التقصيرية تطبيقا ً لحكم الفقرة 3 من المادة 259 مدني عراقي التي قضت بابطال كل شرط يقضي بالاعفاء من المسؤولية المترتبة على العمل غير المشروع، وبذلك فان قيمة الشرط الجزائي في هذه الحالة لا تعد تعويضا ً جديا ً عن ضرر واقع، ويعد شرطا ً للاعفاء من المسؤولية التقصيرية بصورة غير مباشرة، ويكون عندئذ باطلا ً. ومسألة زيادة التعويض في الحالتين أمر يتعلق بالنظام العام ولا يجوز الاتفاق على ما يخالفه.

الا انه يجب على القاضي عند تطبيقه لهذه القاعدة أن يراعي لما لعقد التمويل من طبيعة خاصة ودور اقتصادي ومالي يختلف من غيره من العقود، لذا يجب أن ينظر الى الشرط الجزائي نظرة موضوعية في اطار الهدف الذي يسعى اليه المتعاقدان من وراء العقد. وبالخصوص أن المأجور يتم اختياره وشراؤه بناء على رغبة المستأجر. تنص الفقرة الثانية من المادة الأولى من اتفاقية معهد روما لسنة 1988بشأن عقود التأجير التمويلي الدولية على انه:

"ان صفقة عقد التأجير التمويلي المشار اليها في الفقرة السابقة تتضمن الخصائص التالية:

أ- يحدد المستأجر المعدات ويختار المزود دون الاعتماد في الأصل على مهارة ورأي المؤجر."

عليه فأن المواصفات الخاصة بالمعدات يحددها المستأجر ويقوم المؤجر بشرائها وتملكها وتسليمها للمستأجر. وهو ما أشارت اليه أيضا ً المواد 5-7 من قانون التأجير التمويلي المصري رقم 95 لسنة 1995. وبالتالي فأن فسخ العقد واسترداد المأجور يؤكد الحاق الضرر بالمؤجر لأن التوقعات التي أقام عليها المؤجر حساباته قد أخل بها المستأجر الذي طلب استئجار هذه الأموال خلال مدة معينة كانت هي أساسا ً لحسابات المؤجر.

المبحث الرابع. مصير الشرط الجزائي في حالة فسخ أو بطلان عقد التمويل

لضرورة البحث اقتضت الدراسة بيان مصير الشرط الجزائي في حالة فسخ عقد التمويل أو بطلانه في المطلبين الآتيين:

المطلب الأول. حالة فسخ العقد

الفسخ هو حل الرابطة العقدية في حالة اخلال أحد الطرفين بتنفيذ التزامه الناشىء عن العقد الملزم للجانبين ويتمثل هذا الاخلال بعدم التنفيذ أو التأخر فيه. وفي هذا الفرض فالعقد صحيح أصلا ً الا أن هذا الاخلال قد حدا بالطرف الاخر الى طلب الفسخ واعادة الحال الى ما كان عليه قبل التعاقد الا انه بطبيعة الحال فان الأثر الرجعي للفسخ سيؤدي الى حرمان المستأجر من الانتقاع بالمأجور عندما تسترد منه الأموال المؤجرة وبالتالي تنهار أعمال المستأجر ويفشل مشروعه الاقتصادي الذي يعتمد على هذا المال مما سيلحق به أضرارا ً فادحة. وفي هذا الفرض أن شروط العقد صحيحة لا شائبة فيها ومن بينها الشرط الجزائي، فوجود لشرط الجزائي دلالة على ان الالتزام موقوف على شرط يعمل به في حالة تحقق هذا الأخير وهو عدم التنفيذ أو التأخر فيه. فأي اخلال يطلب على أثره الفسخ يؤدي الى نتيجة مفادها عدم تنفيذ العقد، وتحققه ويؤدي بالتالي الى تحقق الشرط الجزائي فيعمل به.

بناء على ذلك فان الشرط الجزائي في حالة فسخ العقد يستمر ولا يمتد أثر الفسخ اليه للخصوصية التي يتميز بها عقد التمويل وحفاظا ً على حقوق المؤجر ويعمل بهذا الشرط كضمان اتفاقي غير مباشر (المادة22 من قانون التأجير التمويلي المصري). وعلى ما تقدم يحق لشركة التمويل (المؤجرة) استحقاق قيمة التعويض المحددة في الشرط الجزائي المنصوص عليه في عقد التمويل اذا فسخ العقد بسبب خطأ من المستأجر (المشروع المستفيد). الا  انه يحق للقاضي أن يقضي بعدم أحقية شركة التمويل في التعويض المنصوص عليه في الشرط الجزائي اذا  أثبت المستأجر أن شركة التمويل المؤجرة لم يلحقها أي ضرر نتيجة اخلاله بالتزماته، أو نتيجة فسخ عقد التمويل كما انه يحق للقاضي انقاص مقدار التعويض اذا أثبت المستأجر أنه نفذ جزءا ً من التزامه في عقد التمويل أو أن التعويض كان مبالغا ً فيه الى درجة كبيرة.

وقد ذهب البعض بأن على القاضي عند مطالبة شركة التمويل بالتعويض المحدد في الشرط الجزائي نتيجة توقف المشروع المستفيد (المستأجر) عن سداد أقساط الأجرة او فسخ العقد مع الشركة نتيجة خطأ المستأجر (المشروع المستفيد) أن يراعي الطبيعة الخاصة لهذه العقود ودورها كوسيلة من وسائل التمويل للمشروعات الانتاجية والخدماتية وشراء الأصل الانتاجي محل عقد التمويل من قبل الشركة بناء على رغبة المستأجر (المشروع المستفيد). اضافة الى أن الأخير هو الذي اختار  الأصل الانتاجي محل العقد وطبقا ً للمواصفات التي حددها لشركة التمويل والتي تتفق مع طبيعة نشاطه (الفقرة الثانية من المادو الأولى من اتفاقية معهد روما لسنة 1988 وهو ما أشارت اليه أيضا ً المادة 5 والمادة 7 من قانون التأجير التمويلي المصري لسنة 1995). لذلك على القاضي مراعاة كافة هذه الاعتبارات وهو بصدد تطبيق الشرط الجزائي وتحديد قيمته. وفي الحقيقة ان هذا الرأي محل اعتبار وذلك  لأن من نتائج الامتناع عن التسديد والفسخ ما سيلحق شركة التمويل من خسائر فادحة نظرا ً لما تضمنه أقساط الأجرة من عناصر عن معظم ثمن الأصل الانتاجي وهامش الربح الخاص بالشركة وفوائد المال المستثمر طيلة مدة عقد التمويل ومصاريف اتمام الصفقة وابرام عقد التمويل، ومن ثم فانه يجب على القاضي حفاظا ً على هذا النوع من أنواع التمويل وعند مطالبة شركة التمويل بالتعويض المقرر في الشرط الجزائي محل عقد التمويل أن ينظر بعين الاعتبار الى مقدار القيمة الايجارية التي لم يسددها المشروع المستفيد عن المدة المتبقية من مدة عقد التمويل نظرا ً لما تمثله هذه القيمة من عناصر البند "ج" من الفقرة الثانية من المادة الأولى من اتفاقية معهد روما لسنة 1988 وهو ما أشارت اليه المادة 5 والمادة 25 من قانون التأجير التمويلي المصري لسنة 1995، بغض النظر عن استرداد شركة التمويل للأصل الانتاجي محل العقد المفسوخ خاصة وأن الهدف الذي ترمي اليه شركات التمويل من هذه العملية هو استثمار أموالها وزيادة الانتاج وبالتالي تحقيق الازدهار والتنمية، وليس الاحتفاظ بالأصل الانتاجي المؤجر أو استرداده والذي قد يكون عبئا ً عليها أكثر من كونه مكسبا ً لها في ظل التقدم التقني الذي يجعل من الأصل الانتاجي قليل القيمة فضلا ً عن المصاريف التي تتكبدها شركات التمويل (مصاريف التخزين والبيع أو التأجير للأصل الانتاجي مرة اخرى ومدة الاهلاك الضريبي). من كل هذا نصل الى نتيجة مفادها بقاء الشرط الجزائي قائما ً في عقد التمويل في حالة فسخ العقد لتخلف المستأجر عن التنفيذ ويعمل به كضمان اتفاقي غير مباشر.

المطلب الثاني. حالة بطلان العقد

البطلان وصف يلحق بالتصرف القانوني المعيب بسبب مخالفته لأحكام القانون المنظمة لانشائه فيجعله غير صالح لأن ينتج آثاره القانونية المقصودة، أو هو الجزء على عدم استجماع العقد لأركانه كاملة مستوفية لشروطها. وهذه الأحكام أو الأركان قد ترجع الى اعتبارات شكلية كما قد ترجع الى اعتبارات موضوعية مما يستتبع تنوع العيوب التي تصيب العقد عند انشائه ومن ثم تعدد أسباب بطلانه. والعقد الباطل معدوم، لا وجود قانوني له، لاينتج  أثرا ً ولا حكم له أصلا. وطبقا ً للقواعد العامة فأن المتعاقد لا يستطيع اجبار المتعاقد الآخر على تنفيذ بنود العقد، ولكل ذي مصلحة أن يتمسك بالبطلان.

ومن المعلوم أن لعقد التمويل طبيعة خاصة، حيث يسبقه عقد يربط بين المؤجر التمويلي والبائع (المورد أو المنتج)، وهو عقد بيع أو مقاولة مستقل عن العقد المبرم بين المستفيد (المستأجر) وشركة التمويل (الفقرات 1و2و3 من المادة الثانية من قانون التأجير التمويلي المصري، والبند "ب" من الفقرة الثانية من المادة الأولى من اتفاقية معهد روما)، فاذا تقرر بطلان العقد الأصلي فانه طبقا ً للقواعد العامة يقتضي الرجوع بالمتعاقدين الى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد.

الا  أنه وللطبيعة الخاصة لعقد التمويل بطريق التأجير، وللخلفية الاقتصادية والواقعية لابرامه وظهور البائع (المورد أو المنتج) بدور هام في سبيل وجود هذا العقد وتقدير مصلحة المستأجر الذي عقد آماله على عقد التمويل، فلا أثر لهذا البطلان على عقد التمويل ويعد ذلك خروجا ً عن القواعد العامة وبالتالي يحكم ببقاء الشرط الجزائي. وهذه الاشكالية قد عالجتها المادة 22 من قنون التأجير التمويلي المصري رقم 95 لسنة 1995، ولا يوجد حكم أو نص خاص في ظل القانون العراقي لتنظيم المسألة فيبقى الأمر بحاجة الى معالجة حقيقية.

أما في ظل الفقه الفرنسي فقد انقسم الرأي على ثلاثة اتجاهات. الأول يرى أن بطلان أو فسخ العقد الأصلي يستتبع بطلان أو فسخ عقد التمويل، وبالتالي لا وجود للشرط الجزائي. والاتجاه الثاني لا يثبت أي أثر للبطلان أو الفسخ على عقد التمويل. والراجح بين هذين الرأيين هو ضرورة النظر الى كل حالة على حدة للتعرف على رغبة طرفي عقد التمويل وما اذا كانا يرغبان في بقاء أو فسخ الرابطة بين عقد التمويل وعقد البيع.

أما في حالة بطلان عقد التمويل ذاته وهو العقد الأصلي فان القاعدة العامة تطبق في هذا الخصوص، وتزول بنود العقد كافة ومن ضمنها الشرط الجزائي الذي له غاية تعويضية محددة فيه لا يجوز أن تمتد لسواها اضافة الى كونه التزام تابع للالتزام الأصلي يقوم بقيامه وينقضي بانقضائه. فاذا كان الالتزام الأصلي باطلا ً يستتبع ذلك أن يكون الالتزام التابع (الشرط الجزائي) باطلا ً42. لأن التابع للشيء في الوجود يكون تابعا ً له في الحكم فيصح بصحته ويبطل ببطلانه. ولكن بالمقابل اذا كان الشرط الجزائي باطلا ً فلا يستتبع ذلك أن يكون الالتزام الأصلي باطلا ً لأن الشرط الجزائي لا يتعلق به مصر الالتزام الأصلي.

المبحث الخامس. طبيعة الشرط الجزائي والجدوى المتحققة منه

نتناول طبيعة الشرط الجزائي في مطلب أول والجدوى الاقتصادية المتحققة منه في مطلب ثان.

المطلب الأول. طبيعة الشرط الجزائي

الشرط الجزائي كضمان اتفاقي غير مباشر يوضع عادة كشرط ضمن بنود العقد الأصلي المبرم بين شركة التمويل المؤجرة والمشروع المستفيد (المستأجر) ويستحق المؤجر التعويض على أساسه. وقد يكون هذا الاتفاق مستقلا ً عن العقد الأصلي، وبالتالي لا يترك الطرفان أمر تقديره الى القضاء. فان لم يقم المستفيد بالتزامه قبل شركة التمويل او تأخر في التنفيذ يستحق هذا التعويض. وبما انه اتفاق بين الطرفين فلا بد أن يستوفي أركان وشروط العقد وتسري عليه أحكامه، من جهة، ومن جهة أخرى انه بمثابة عقوبة مدنية بالقدر الذي يزيد فيه عن الضرر الفعلي اللاحق بالمؤجر وتكمن هنا وظيفته التأمينية، سواء ذكر ضمن بنود العقد الأصلي بين الشركة الممولة والمستفيد، أو ضمن مشارطة لاحقة مستقلة عن العقد (البند "ب" من الفقرة الثانية من المادة الأولى من اتفاقية معهد روما لسنة 1988 ويستدل أيضا ً في هذا الخصوص بالفقرات 1و2و3 من المادة الثانية من قانون التأجير التمويلي المصري لسنة 1995). من جهة ثالثة فان الشرط الجزائي صفة الالتزام التابع لا يقصد لذاته ولا يستقل بنفسه وانما يقع بمناسبة الاتفاق على التزام آخرفله صفة "التبعية"، وبالتالي فأن المدين ملزم بتنفيذ الالتزام العيني (الأصلي) دون حقه في اختيار تنفيذ الشرط الجزائي ما دام تنفيذ الالتزام الأصلي ممكنا ً، وبذلك نصل الى نتيجة مفادها أنه يدور مع الالتزام الأصلي وجودا ً وعدما ً والعبرة بالالتزام الأصلي لا بالشرط الجزائي مع بعض الخصوصية في عقد التمويل بطريق التأجير.

المطلب الثاني. جدوى الشرط الجزائي

ان الغاية الأساسية من عقد التمويل بطريق التأجير استغلال واستثمار الأموال في تمويل المشروعات التي تفتقد الى السيولة النقدية الكافية لشراء الأصول الانتاجية لممارسة النشاط الاقتصادي أو لتجديد الآلات والمعدات الانتاجية الخاصة لمسايرة التقدم التقني والتكنولوجي. وتقوم شركات التمويل بشراء هذه الآلات والمعدات الانتاجية طبقا ً للمواصفات والشروط التي أعلنها المشرروع المستفيد وما يلائم احتياجاته والمشروع المشغل من قبله، (وهو ما أشار اليه البند "أ" من الفقرة الثانية من المادة الأولى من اتفاقية معهد روما، والمادة الخامسة والسابعة  من قانون التأجير التمويلي المصري) وتقوم الشركة الممولة بتأجيرها لهذا المشروع المستفيد لفترة معينة ومحددة في عقد الايجار وهو ما يقرب العمر الافتراضي للأصل الانتاجي المؤجر في مقابل التزام الأخير بالقيمة الايجارية على شكل أقساط وغالبا ً ما تكون هذه الأقساط هي نفس قيمة أو ثمن الأصل الانتاجي المؤجر لها وفوائده ونسبة الربح طيلة مدة العقد والنفقات التي صرفت لابرام العقد ومدة الاهلاك الضريبي (البند "ج" من الفقرة الثانية من المادة الأولى من اتفاقية روما، والمادة الخامسة من قانون التأجير التمويلي المصري). وبذلك فان هناك فائدة عملية للمستأجر حيث يستلم المأجور (الآلات والمعدات) قبل دفع أي مبلغ للممول (المؤجر) أي قبل دفع بدل أو قسط الايجار للشركة الممولة مما قد يشكل خطورة على المؤجر فيضع هذا الشرط الجزائي الذي يتضمن معنى العقوبة والجزاء. وبذلك تتحقق الوظيفة التأمينية له باعتباره وسيلة ضمان اتفاقية غير مباشرة. وتتحقق الجدوى والفائدة من هذا الضمان. وقد يمنع وجود هذا الشرط من حدوث الخطأ أو التقليل منه كما في حالة الاخلال بالتنفيذ او التأخر فيه. وبالتالي قد يفسخ عقد التمويل قبل انتهاء مدته نتيجة هذا الاخلال وتوقف سداد الأقساط المتفق عليها خلال مدة العقد والزام المشروع المستفيد (المستأجر) برد الأصل الانتاجي محل عقد التمويل (الفقرة 3 من المادة الأولى من اتفاقية روما، والمواد 19و20 من قانون التأجير التمويلي المصري)، وبالتالي فان وجود هذا الشرط يحقق لشركة التمويل نوعا ً من الاطمئنان على حقوقها.

هذا وان ما يدعم هذ الضمان أن الشرط الجزائي في عقد التمويل غالبا ً ما يكون مبالغا ً فيه لدرجة كبيرة قد لا يتناسب مع الضرر الحقيقي الذي يلحق بالشركة الممولة، ليس لتحقيق اثراء بلا سبب للمؤجر وانما وسيلة لضمان حقوقه لأن الأخيرة تقدر قيمة الضمان بناء ًعلى اعتبارات مالية صرفة كقيمة أقساط الأجرة وما فاتها من كسب  والخسارة اللاحقة (عدم اهلاك رأسمالها المستثمر في هذه العملية والنفقت المالية ونفقات تخزين الأصل الذي تسترده الشركة عند فسخ عقد التمويل... الخ). كون أن المؤجر يتكبد نفقت كثيرة عند شراء الأصول المؤجرة ويتعرض لمخاطر جدية.

 وهذه الأمور تفرضها شركة التمويل باعتبارها الطرف الأقوى اقتصاديا ً وما لها من خبرة كمحترف وليس للمستفيد أي مقابل مع ما تحصل عليه شركة التمويل من تعويض في حالة امتناع المستفيد عن سداد أقساط الأجرة اوالتأخر فيها أ في حالة لفسخ نتيجة خطأ المشروع المستفيد. هذا من جهة. ومن جهة ثانية فان الشركة الممولة قد تضع ضمانا ً لحقوقها وشروطا ً لمصلحتها تغل بها يد المشروع المستفيد (المستأجر) عن طلب الفسخ أو الدفع بعدم التنفيذ أو الامتناع الجزئي عن تنفيذ بعض الالتزامات اذا لم تؤد أو تحترم شركة التمويل التزاماتها التعاقدية مع المستأجر (المستفيد) وبالتالي فان الأخير سوف يضطر لتنفيذ كافة التزاماته الواردة في عقد الايجار كي لا يتعرض للجزاء المفروض بموجب الشرط الجزائي. كما أن القصد من هذا الضمان هو تجنب اللجوء للقضاء والتقليل من المنازعات بين الأطراف واعطاء حرية في تقدير التعويض وبالتالي يتجنب المتعاقدان نفقات اقامة الدعاوى من رسوم وكشف ومعاينة وخبرة وأتعاب محاماة.

من كل ما تقدم يتبين لنا الجدوى من هذا الضمان الاتفاقي غير المباشر في ضمان تنفيذ الالتزامات الناشئة عن العقد وتجنب الاجراءات القضائية الطويلة والمعقدة وزيادة القوة الملزمة لعقد التمويل، والمساهمة في تنمية المجتمع وازدهاره والاسهام في تنفيذ خطط التنمية والمحافظة على الأهمية الاقتصادية لعقد التمويل بطريق التأجير.

وبالرغم من هذه الايجابيات فان فاعلية الشرط الجزائي قد تتراجع أمام سلطة القاضي في تعديله زيادة أو نقصانا ً. فضلا ً عن عدم تقديم الشرط الجزائي أي ضمانات عينية أو شخصية مما يجعل المؤجر (شركة التمويل) مهددا ً بعدم كفاية الضمان العام الا ما يخص الطابع الجزائي لهذا الشرط وبالامكان في اطار بعض التشريعات المدنية الاستناد الى بعض عيوب الارادة لابطال الشرط الجزائي. من كل ما تقدم تبقى للشرط الجزائي الأهمية والجدوى الاقتصدية كونه ضمانا ً للمؤجر التمويلي وان كان ضمانا ً اتفاقيا ً غير مباشر.

تبين من خلال هذه الدراسة الأهمية الاقتصادية لعقد التمويل بطريق التأجير كونه وسيلة بديلة عن الطرق التقليدية للتمويل، فهو يوفر للمستأجر التمويل اللازم ويغطي كامل استثماراته، علما ً انه أقل تكلفه من الناحية الاقتصادية ويمكنه من اختيار الأصول ومواكبة التطور لعلمي والتكنولوجي، اضافة ًالى الوظيفة الائتمائية بالنسبة للمؤجر وعدم تحمله لتبعة الهلاك والأضرار الناجمة عن المأجور في فترة حيازة المستأجر له، فضلا ً عن دوره في دفع عجلة التقدم وحل الكثير من الاشكالات الخاصة ببعض الشركات بسبب عدم قدرتها المالية في استخدام الأصول الانتاجية.

ويعد الشرط الجزائي من أصلح الضمانات الاتفاقية غير المباشرة حيث يمكن شركة التمويل من اقتضاء التعويض المتفق عليه دون اثبات الضرر المفترض في حالة اخلال المستأجر بواجب دفع الأجرة، كما له دور في حمل المستأجر للوفاء بالتزامه. الا أن فاعليته تتأثر بسلطة القاضي في تعديل هذا الشرط بالنقصان أو الزيادة وعدم كفاية الضمان العام، كون هذا الشرط لا يقدم ضمانات أخرى وبالتالي لا يقي حركة التمويل من خطر الافلاس أو الاعسار أو مزاحمة الدائنين. فلا سبيل الا اللجوء أحيانا ً الى التأمين كوسيلة للضمان بالرغم من السلبيات التي يتسم بها.

ومع ذلك لا يمكن انكار ما يتميز به الشرط الجزائي كضمان اتفاقي غير مباشر في هذا العقد، على أن يكون المؤجر (شركة التمويل) مرخصا ً له قانونا ً لمزاولة هذا النشاط وأن يدعم الأخير بعدم تأثر العقد للبطلان أو الفسخ بنص صريح قانونا ً، اضافة ً الى توفير بعض المزايا الضريبية لنشاط التمويل لتشجيع المشاريع والشركات المحلية أو الأجنبية للعمل في هذا المجال لأجل مواكبة التطورات، ونشر الثقافة والوعي القانوني بهذا الخصوص، وبالتالي ما يحقق ذلك من آثار ايجابية على اقتصاد البلد. وأخيرا ً ندعو المشرع العراقي الى تشريع قانون خاص بالايجار التمويلي أسوة بباقي الدول التي أصدرت قوانين بهذا الشأن، وخاصة في ظل تشجيع سياسة الاستثمارات وتحقيق التقدم والازدهار في البلد.