close
Login Form
Lawyer/Affiliate Sign Up
head

Article Content:

ضمانات القضاة - أين هي ضمانات المتقاضين والمحامين؟

كتاب مفتوح إلى الوزير جريصاتي والقاضي فهد - تتحاوران حول ضمانات القضاة: مرحى! ولكن: أين هي ضمانات المتقاضين والمحامين؟

يوم الجمعة في 23/3/2018، وفي إطار السجال الدائر بين وزير العدل جريصاتي ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فهد حول مطالب القضاة، نشرت ‘‘النهار’’ دراسة للوزير حول ‘‘الضمانات للقضاة’’ التي تناولتها المادة 20 من الدستور بالنص التالي:

‘‘السلطة القضائية تتولاها المحاكم على إختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة والمتقاضين الضمانات اللازمة’’.

إذن فإن للضمانات القضائية شقين:

- الشق الأول: الضمانات للقضاة.

- والشق الثاني: الضمانات للمتقاضين.

ولا شك ان الشق الثاني هو الهدف الأسمى للدستور لأن الضمانات للمتقاضين هي ضمانات لكل الناس. إذ كرست المادة 7 من قانون أصول المحاكمات المدنية حق كل ذي مطلب أن يتقدم به إلى القضاء للحكم بموضوعه وذلك بالإستناد إلى قاعدة ان حق الإدعاء وحق الدفاع يعود لكل شخص لبنانياً كان أو أجنبياً. وهذا الحق هو من حقوق الإنسان.

وبما أن مهمة القاضي هي الفصل في النزاعات التي تعرض أمامه على النحو المذكور، فإنه لا يجوز تناول الضمانات المحفوظة دستورياً للقضاة دون الضمانات المحفوظة دستورياً للمتقاضين.

ولأن القانون لا يجيز للمتقاضي، في معظم الأحيان، أن يتقدم بطلباته إلى القضاء دون معونة المحامي فلا بدّ أن تشمل الضمانات للمتقاضين الضمانة للمحامين الذين يتولون مساعدة المتقاضين والقضاة في إدارة الدعوى.

ولا بدّ من إيضاح أن الهدف من مداخلتي ليس الدخول طرفاً ثالثاً في السجال بين ‘‘العمالقة’’ بل في الإضاءة على حقوق الضعفاء وهم المتقاضون والمحامون.  وانني أحصر الحديث في نطاق النزاعات المدنية.

وبداية، وبالرغم من مباديء حقوق الإنسان التي تكرس مجانية التقاضي، فإن القانون، كما سبق بيانه، يلزم المتقاضين في معظم القضايا بالإستعانة بمحامين بموجب وكالات رسمية مسجلة لدى الكاتب العدل بكلفة معدلها 75,000 ليرة لبنانية ولا يستطيع المحامي إستعمال هذه الوكالة إلا بعد أن يدفع عنها رسماً لصندوق نقابة المحامين قدره 75,000 ليرة لبنانية أخرى. وقبل تقديم الدعوى فلا بد أن يدفع المتقاضي للمحامي مقدم الأتعاب الذي يتم الإتفاق عليه. وعند تسجيل الدعوى، وبالإضافة لرسم الطابع المالي، فإنه يدفع عنها لصندوق قصر العدل رسوما بعضها مقطوع والبعض الآخر نسبي بحسب قيمة الدعوى بالإضافة إلى رسم لصندوق تعاضد القضاة يعادل 20% من الرسم المدفوع لصندوق قصر العدل. ثم فإن على المتقاضي أن يدفع أجور المباشرين الذين يتولون تبليغ الأوراق. وإذا تعذر التبليغ فإن المحكمة تكلف أحد المساعدين القضائيين بإجراء تحقيق حول مجهولية مقامه لقاء بدل أتعاب يتراوح بين المائة والثلاثمائة ألف ليرة لبنانية. فإذا تقرر انه مجهول المقام فانه يبلغ بالنشر في الصحف بكلفة الإعلانات. وتفرض الرسوم النسبية عينها على المتقاضي في كل درجة من درجات المحاكمة بالإضافة الى الرسوم المقطوعة التي ترتفع درجة بع الأخرى.

وعند إتمام تبليغ الدعوى فإن القانون يوجب على محامي المتقاضين تبادل اللوائح خلال مهل حددها. وعند إتمام التبادل وإكتمال الملف يوجب القانون على المحكمة أن تعين جلسة للنظر في القضية. ومن الواضح ان الهدف من هذه الجلسة هو سماع الشهود واستجواب الفرقاء ومرافعة المحامين، وقد يحتاج كل ذلك إلى عدة جلسات متلاحقة.

لكن ما يحصل فعلاً هو غير ذلك. فإن معظم المحامين لا يتقيدون بالمهل القانونية ويغض معظم القضاة الطرف عن هذه المخالفات. وبالرغم من تعيين الجلسات فإن المحامين يأتون إليها بأوراق جديدة يقبلها معظم القضاة دون تردد. وبدلا من الجلسات المتلاحقة يوماً بعد يوم لسماع الشهود واستجواب الفرقاء ومرافعة المحامين، فإن القضاة يؤجلون جلساتهم لمدة تتراوح بين الشهر والسنة، نعم السنة. أي ان المحاكمة قد تمتد إلى سنوات في كل درجة من درجاتها. وهناك ثلاث درجات هي البداية والإستنئاف والتمييز يضاف اليها الإعتراض وإعادة المحاكمة. والأدهى من كل ذلك أن معظم القضاة لا يدرسون الملف إلا بعد ختام المحاكمة.

ومن غير المعقول ان القاضي يملي على الكاتب ما يدونه هذا الأخير في محضر الجلسة. وعندما يفعل القاضي ذلك فإنه يختصر أقوال المحامين والفرقاء والشهود ويعيد صياغتها على طريقته. أما الكاتب فإنه يدوّن ما يمليه عليه القاضي كما فهمه وبعجلة فائقة. فينتج عن ذلك في كثير من الأحيان محاضر مشوهة أو غير دقيقة لكن القانون يعتبرها سندات رسمية تعتبر حجة على الكافة حتى إدعاء تزويرها!

إذن فإن مما لا جدال عليه ان معظم جلسات المحاكم تهدر أوقات القضاة والمحامين دون أي سبب مشروع مما يلقي بثقله على المتقاضين الذين يتحملون مغبة التأخر في فصل الدعوى ويدفعون كلفته في مزيد من النفقات وفي زيادة أتعاب المحامين وفي إطالة أمد النزاع.

ليس ذلك فحسب، فإن المتقاضين ووكلاءهم من المحامين لا يسعهم الإطلاع على الإجراءات في الدعوى إلا بالقيام بمراجعات متكررة وشبه يومية مع الكتبة والقضاة، فيهدرون بذلك مزيداً من أوقاتهم وأوقات الكتبة والقضاة. وكل ذلك على حساب موكليهم المتقاضين.

وعندما يرغب القاضي في دراسة الملف فإنه يحمله إلى منزله. وكثيراً ما يسأل المحامي الكتبة عن الملف فيقال له أنه مع القاضي أي في منزله. ذلك ان قصور العدل لا تؤمن للقضاة مكاتب خاصة بهم يمنع على الناس ولوجها ومرتبطة بمكتبة حيث يمكنهم دراسة الملفات فيها دون مقاطعة خارج الجلسات.

ولما كان القسم الأكبر من وقت القاضي مهدوراً على الوجه المبيّن أعلاه، ومع ذلك يتم إثقاله بسيل الدعاوى التي يتم تسجيلها في دائرته دون حفظ توازن بين كميتها وما يتوافر له من وقت لإجراء المحاكمة فيها وإدارتها، فإنه يصبح مضغوطاً عليه لإنجاز كل ما يمكنه إنجازه في أقصر وقت ممكن، ما ينعكس سلباً على جودة ما ينتجه من قرارات وأحكام، مما يؤدي إلى الإعتراض عليها أو الطعن بها أمام المحكمة الأعلى درجة، المضغوطة مثله بدورها. وعندما تصل الدعوى إلى المحكمة العليا فإنها تنام نوم أهل الكهف إلا إذا أمكن للمتقاضين أو وكلائهم المحامين تحريك الملف بما يقدرون عليه من شتى الوسائل.

ويعاني المتقاضون في لبنان، كالمتقاضين في سائر أنحاء العالم، من الأخطاء القانونية سواء التي يقع فيها وكلاؤهم أو يرتكبها القضاة.

لكن المحامين في لبنان يتمتعون بحصانة نادرة لا وجود لها في بلدان العالم، وهي أن المحامي لا يمكنه أن يتوكل ضد زميل له إلا بعد إستئذان نقيب المحامين. وقرار النقيب يقبل الطعن أمام مجلس النقابة الذي يمكن الطعن به أمام محكمة الإستئناف. ولا يوجب القانون أن يحمل المحامون تأميناً ضد الأخطاء المهنية على كثرتها (مثلهم مثل سائر أرباب المهن الذين لا يحملون تأميناً) مما يقي الناس شرّها.

أما الأخطاء القضائية فحدث عنها ولا حرج. لكن القانون يميّز بين الخطأ العادي والخطأ الجسيم، ولا يجيز مخاصمة القاضي، كما كان الأمر منذ زمن غير بعيد. بل حلّت محل دعوى مخاصمة القضاة دعوى تدعى: دعوى مسؤولية الدولة عن أعمال وأخطاء القضاة العدليين. وهي تقدم أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز. ويجيز القانون تقديم هذه الدعوى في الحالات التالية: الخطأ الجسيم، الإستنكاف عن إحقاق الحق، الخداع والغش، والرشوة.

لكن الهيئة العامة لمحكمة التمييز تخالف بل تنتهك بل تلغي عمليا النص الصريح في قانون أصول المحاكمات المدنية الذي يجيز مداعاة الدولة في كل الحالات التي ينسب فيها سببها إلى أحد القضاة مهما كانت درجة محكمتهم، إذ أن القاضي لا يُداعى أبداً، بل للدولة أن ترجع عليه بما قد يحكم عليها، ذلك أن الهيئة العامة دأبت على رد كل دعوى مسؤولية لا يكون قد صدر حكم بات في الدعوى التي تمّ فيها إرتكاب الخطأ الجسيم، وبالتالي فهي تعتبر دعوى المسؤولية بمثابة درجة جديدة وأخيرة من درجات المحاكمة! وهذا خطأ اكبر من جسيم لأن دعوى المسؤولية هي دعوى في درجة وحيدة ضد الدولة التي لم تكن نشأت خصومة بينها وبين المدعي قبل تقديمها. بل إن الخصومة لا تنشأ مع الدولة إلا بعد ان تقرر الهيئة العامة قبول الدعوى في الشكل ولجدية أسبابها. وعندئذ، وليس قبل ذلك، فإنه يجري تبليغها للدولة!

وهناك سبيل آخر للشكوى من القضاة وهو قرع باب هيئة التفتيش القضائي. وهو باب مقفل ولا يفتح بسهولة. ولا يدري متقاضٍ مصير شكوى تقدم بها ولا يبلّغ بنتيجتها. وفي ذات الوقت فإن القضاة مهددون باستمرار من امكانية تحريك الشكاوى ضدهم مهما كانت تافهة في أي حين مع حرمانهم من إبسط حقوق الدفاع.

وعندما يكون للخطأ القضائي الطابع الجزائي، أي يؤلف جريمة كالرشوة أو التزوير أو الإبتزاز، فإن الملاحقة الجزائية تخضع للفصل في قانون أصول المحاكمات الجزائية المتعلق بجرائم القضاة.

لكن الشكوى من هذه الجرائم لا تحرّك الدعوى العامة. وقد درجت النيابة العامة التمييزية على عدم تحريكها مما يعطي القضاة حصانة ضد الملاحقة الجزائية تشبه إلى حدّ ما الحصانة التي يتمتع بها المحامون. وكل ذلك هو على حساب المتقاضين لأنه يخل بضمانتهم الدستورية. وإذا نظرنا إلى مسألة الرعاية الصحية التي يحصل عليها القضاة عن طريق صندوق تعاضدهم فإن المحامين لا يتمتعون برعاية مماثلة. وهناك حديث اليوم عن عجز كبير في الصندوق التعاوني لدى نقابة المحامين في بيروت لجهة كلفة الإستشفاء يقدّر بقيمة خيالية لم تتم معالجة أسبابه بعد.

وعندما يحاول المحامون تحصيل حقوقهم في بدلات الأتعاب عن طريق القضاء فإنهم يخضعون لذات الرسوم ومنها الرسوم النسبية ورسم صندوق تعاضد القضاة التي تفرض على سائر الدعاوى. في حين أن حالتهم هي أسوأ من حالة العمال الذين يعفيهم القانون من الرسوم القضائية! ذلك أن المحامي ليس أجيراً ولا يجوز له أن يدخل في عقد عمل بل ان القانون يوجب عليه أن يكون له مكتب مفتوح مما يرتب عليه نفقات كبيرة تتراوح مع سعة المكتب وموقعه وعدد العاملين فيه. فيذهب الجزء الأكبر من بدل الأتعاب الذي يتقاضاه المحامي إلى تغطية نفقات هذا المكتب مما يجري الإعتراف به ضرائبياً من الدولة إلا أن الرسوم القضائية كافة ورسوم صندوق تعاضد القضاة لا تعترف به عند تسجيل دعوى الأتعاب!

وإذا كانت راحة البال من جوهر أسباب الضمانات التي يطالب بها القضاة، على نحو ما توافق عليه الوزير جريصاتي والقاضي فهد، أفلا يستحقها المتقاضون والمحامون، بحيث تضمن راحة البال في وقت معاً إلى كل من القضاة والمتقاضين والمحامين في نظام قضائي جدّي وفاعل يحمي مصلحتهم  وحقوقهم جميعاً وبالتمسك بتطبيق القانون بنزاهة وصدق بالسرعة الممكنة؟

فلا بدّ إذن أن يتم توسيع دائرة النقاش، ولا أقول الجدل، الدائر ليشمل الضمانات القضائية ليس للقضاة وحدهم بل للمتقاضين عموماً وللمحامين. وبالطبع فإنه ليس علينا أن ننسى المساعدين القضائيين!

المحامي محمد مغربي